14 مارس 2023

نقد أفلام الأسبوع.. Knock at the Cabin ،The Whale ،Pravidnik

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

Pravidnik

Pravidnik

  • إخراج: ‪ سيرغي أورسلياك
  • تمثيل: إلدوس أبرامانوف، ونيكولاي بوتينن، وديمتري غلادياشيف
  • ملخص: مجموعة من الجيش الروسي خلال الحرب العالمية الثانية تنقذ حياة يهود من بيلاروسيا من خطر محدق إذا ما قبض النازيون عليهم وساقوهم إلى المعسكرات. الطريقة الوحيدة لتأمين حياتهم، هو اختراق الدوريات الألمانية على الحدود الروسية.
  • تقييم: يأتي «المحق» في وقته تماماً، فهو فيلم عن ضابط روسي اسمه نيكولاي كيزليوف أنقذ حياة نحو 200 بيلاروسي من مصير محتوم على أيدي القوات النازية التي كانت قتلت العديد منهم عندما داهمت قرى المنطقة، وجمعت المواطنين (معظمهم من اليهود) وقادتهم إلى قرية اسمها دولجينوفو. حسب مراجع تاريخية، فإن القوات أجبرت هؤلاء على دخول بناية تم إغلاق أبوابها، ثم إضرام النار فيها.

خطّة كيزليوف (أو العم فازيا كما أُطلق عليه) بدت مستحيلة، لكنها كانت الوحيدة المتاحة: هو وعدد محدود من أفراد الجيش الروسي الملتحقين به، سيقودون المدنيين عبر منطقة على الحدود الروسية ـ البيلاروسية لم تشهد حرباً ولم يدخلها الجيش الألماني، بسبب كونها كثيفة الأشجار وملأى بالمستنقعات. منطقة خطرة من الصعب دخولها ومن الأصعب الخروج منها، لكنها كانت السبيل الوحيد أمام الجميع.

لم يخل الأمر من دوريات تجوب الطرق القليلة المحيطة بها أو التي تمر بها. وفوق ذلك، واجه الهاربون الجوع والبرد. وبما أن معظمهم من النساء والأطفال، فإن تقدّمهم كان بطيئاً ومحسوباً. أسهم سكان المنطقة في سد حاجة هؤلاء من الطعام، كلما كان ذلك ممكناً، لكن الرحلة ذاتها بقيت، كما يعرض الفيلم، محفوفة بالخطر.

«المحق» ينتمي إلى نوع المغامرات المأخوذة عن الواقع، لكن له جانب آخر؛ إذ انطلق إنتاجه بعد بدء الحرب الروسية الأوكرانية، وبوشر عرضه في مطلع السنة الثانية منها، والرسالة السياسية واضحة وهي دور الروس في إنقاذ من استطاعوا إنقاذهم من اليهود.

الفيلم الذي أخرجه سيرغي أروسولياك، كان بوشر تصويره في مايو سنة 2022، وعُرض تجارياً على الشاشات الروسية في التاسع عشر من هذا الشهر، مُنجِزاً نجاحاً تجارياً لافتاً. وهو يسرد كيف تمكن الضابط الروسي من إنقاذ من استطاع الهرب إلى الغابات المحيطة بتلك القرى. معظم هؤلاء كانوا من النساء.

ـ للراشدين (R)

The Whale

The Whale

  • إخراج: دارن أرونوفسكي
  • تمثيل: برندن فرازر، وسادي سينك، وهونغ تشاو.
  • ملخص: أستاذ سابق مصاب ببدانة مفرطة تُعرّض حياته للخطر. يعيش وحيداً مع ذكريات مؤلمة؛ كونه مسؤولاً عند طلاقه من زوجته وفقدانه الرغبة في رعاية ابنته. خلال خمسة أيام ستزوره ابنته والممرضة التي تحاول مساعدته وشاب يعمل مبشّـراً دينياً.
  • تقييم: «الحوت» مأخوذ عن مسرحية وضعها سامويل د. هنتر وكتب السيناريو لها أيضاً. والمخرج يحافظ على المادة كما كُتبت. الأحداث في 95% منها، تقع داخل ذلك البيت الذي يُقيم فيه تشارلي. هناك مشهدان أحدهما من نحو خمس دقائق والآخر من 7 ثوانٍ، يقعان خارج المنزل، ثم مشهد ختامي على شاطئ البحر لا يتجاوز دقيقة.

تشارلي هو رجل كبير الجثة يعاني البدانة المفرطة وآلاماً عاطفية منذ أن انتحر صديقه. لا يستطيع الحركة بسهولة. يحمل أرطالاً من الدهن تقيّد حركته. يستقبل ممرضة اسمها ليز (هونغ تشاو) التي تقلق عليه، وتحاول إقناع الشاب توماس بأن تعاليم الكنيسة لن تُفيد تشارلي، فهو ليس شخصاً متديناً، لكنه مستعد لأن يسمع ويناقش. إلى هذا الحضور تأتي ابنته إيلي (سادي سينك) في زيارة غير متوقعة بعد طلاق تشارلي لزوجته ماري (سامنتا مورتون).

هذه الشخصيات تدخل وتخرج من الموقع تماماً مثل العمل المسرحي المعتاد. تشارلي في الوسط دائماً. يعتاش من وراء دروس في الكتابة الأدبية لحفنة من الطلاب المشتركين في موقعه. العلاقة بينه وبين الأدب واضحة كذلك، من خلال إدمانه مراجعة مقاطع من رواية هرمان ملفيل (موبي دك) التي تتحدّث عن صيد حوت ضخم ولو أن عنوان هذا الفيلم يقصد الجمع بين حوت ملفيل والحوت الذي يرمز إليه تشارلي بقامته وبدانته.

الفيلم تراجيديا، لكن الحسّ الناتج في أكثر من موقع، هو أنه يحاول سرد ذلك من خلال مواقف متباينة أغلبها عاطفي، وقليل منها مادة سهلة التداول، ولو أنها في الوقت ذاته، داكنة. الداكن أكثر هو اختيار العتمة في عموم مشاهد الفيلم لدرجة التساؤل حول كيف يمكن لأحد أن يقرأ نصوصاً (كما نرى أكثر من شخصية في الفيلم بدءاً بتشارلي) على ضوء غير كافٍ أو كاشف.

من ناحية أخرى، هذا هو دور العمر بالنسبة لممثل انطلق نجماً ثم هوى سريعاً، قبل أن يلتقطه هذا الدور الذي يستحق عليه براندن فرايزر ما تلقفه من جوائز حتى الآن.

ـ للراشدين (R)

Knock at the Cabin

Knock at the Cabin

  • إخراج: م. نايت شيامالان
  • تمثيل: ديف توتيستا، وجوناثان غروف، وبن ألدريدج، وروبرت غرنيت.
  • ملخص: يقتحم أربعة أشخاص كوخاً يعيش فيه رجلان وفتاة تبنّياها. يطلبون من الثلاثة قيام اثنين منهم بقتل ثالث، وذلك إنقاذاً للبشرية من مستقبل داكن.
  • تقييم: سبق وأن تكلّمنا عن هذا الفيلم على نحو موجز، لكنه يستحق الإعادة، خصوصاً أن الفانتازيا الغامضة التي يلجأ إليها المخرج شيامالان تلتقي وحبكات أفلامه السابقة.

نتذكر فيلميه الأوّلين «الحاسة السادسة» و«غير القابل للكسر» وكيف حافظ فيهما على وضع تشويقي ناتج عن جملة من الأسرار تتوالى، يتأخر الجواب عنها حتى المشاهد الأخيرة.

كان هناك تكلّف في معالجته لهذين الفيلمين على الرغم من حسناتهما في أكثر من مكان، كما في أفلامه اللاحقة، مثل «علامات» و«القرية»، ثم أخذ هذا الصرح الكبير يتهاوى مثل بيت من ورق. «سيدة في الماء» و«بعد الأرض» و«كبير السن»، دعا جمهوره إلى حضور ألغاز أخرى، لكن الاستجابة لها لم تكن، جماهيرياً ونقدياً، على المستوى المأمول. كان شيامالان يكرر نفسه وحبكاته وطرق توفير حلوله.

في «طرق على الكابين» لا يتغيّـر كثير في هذا النحو. القصّة الواردة هي أن هناك فتاة صغيرة اسمها وَن (كرستن كوي) تنمو في رعاية والديها، الثلاثة في عطلة في بضعة مضارب في ولاية بنسلفانيا. فجأة ترى وَن، وهي تلعب في حقل من الزهور، أربعة رجال بملامح شرسة يقتربون منها. جاؤوا مشياً (ربما من مسافات بعيدة) ليخبروا هؤلاء الثلاثة بأن على اثنين منهم قتل الثالث إذا أرادوا إنقاذ العالم من دمار شامل. هذا يعني ـ ببساطة ـ أن الخيار مفتوح: إما أن يقتل الرجلان الفتاة أو يقتل أحدهما الآخر وتبقى الفتاة. هناك خيار ثالث هو أن يلجأ المشاهد إلى باب الخروج قبل أن يرى نفسه مطالباً بالفعلة نفسها.

القصّة التي نطالعها مأخوذة من رواية منشورة لم يتح لهذا الناقد قراءتها ولا يبدو أنه سيفعل ذلك، بعد مشاهدة النسخة السينمائية منها، لكن المسألة المثارة، هنا على الأقل، فلسفية. فبعد أن يرفض الرجلان القيام بمهمّة غير إنسانية، يبث التلفزيون أنباء عن تسونامي يضرب السواحل الشرقية. يوحي الفيلم بأن هناك غضباً إلهياً، وفي مشهد آخر هناك ذكر لاستنكار اليمين مبدأ الزواج المثلي. هذا يقرّب الفيلم من وضع الإدانة بوضوح، وإلا لاختار للزوجان أن يكونا من جنسين متقابلين (ذكر وأنثى).

مهارة شيامالان في إحاطة اللغز وتبعاته بما يلزم من تشويق موجودة، لكن الفشل في الخروج بما هو أعلى من مجرد فيلم آخر من أفلامه موجود أيضاً. كثير من المشاهد تقع داخل الكوخ الريفي ما يمنح الممثلين أداءات محكوماً عليها بلقطات قريبة ومتوسّطة، لكن القاسي في الموضوع هو أن هناك فتاة صغيرة تكتشف عالماً قبيحاً وعنيفاً. يوحي الفيلم بأنها فتاة ذكية ستتغلب على آثار ما تشهده، لكن هذا يبقى افتراضاً.

- PG‪-13