18 أبريل 2023

السينما العراقية وذكرى 20 سنة على الحرب

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

السينما العراقية وذكرى 20 سنة على الحرب

مرت ذكرى 20 سنة على الحرب العراقية (أو الحرب على العراق)، وبعد الإطاحة بالنظام السابق، وبعد الدمار الذي تسبب فيه الغزو الأميركي والفوضى التي سادت، اتجه مخرجون عراقيون لتحقيق أفلام حول هذا الوضع. لكن ليس عن كل الوضع.

السينما العراقية وذكرى 20 سنة على الحرب
مشهد من فيلم "أحلام" للمخرج محمد الدراجي

رحلات عاطفية في السينما العراقية

الأفلام العراقية التي سعت لطرح مسألة تلك الحرب ومقدماتها ثم ما آلت إليه، تعددت كعناوين لكن العديد منها تمحور حول نقد الحكم السابق والنأي عن نقد الأوضاع اللاحقة. حين المقارنة بين الأفلام العراقية حول الحرب وتلك الأميركية حولها تطالعنا مباشرة حقيقة أن السينما العراقية لم تأبه، حتى الآن، لتصوير الاحتلال الأميركي أو نقده كما فعلت الأفلام الأميركية ذاتها، ولا حتى أقل مما فعلت تلك الأفلام.

مرجع ذلك عاطفي وسياسي ورقابي. في الجانب الأول انطلقت الأفلام الأولى لتخاطب الفئة التي اعتقدت تلك الأفلام إنها تضررت أكثر من سواها من جراء حكم النظام السابق. أولها «أحلام» لمحمد الدراجي (2006) الذي على بعض حسناته صور تعرض طائفة معينة لنقمة النظام. لكن تلك الطائفة ليست وحدها التي عانت النظام بل سواها ما يجعل الفيلم ردحاً عاطفياً أكثر منه موقفاً سياسياً.

السينما العراقية وذكرى 20 سنة على الحرب

أفلام الدراجي التالية، مثل «ابن بابل» (2009) و«في أحضان أمي» (2011) «رمال بابل» (2013) التزمت بهذا المنظور. لاحقاً، عندما قام بتحقيق «الرحلة» (2017) الذي هو أنضج أفلامه تنفيذاً، خرج من عباءة نقد النظام السابق إلى طرح موضوع الحرب ضد إرهابيي داعش من خلال قصة إرهابية تحمل متفجرات وشاب يصبح أسيراً لها قبل أن تدرك ما كانت ستقوم به وخطورته.

لا جدال كثيراً حول قوة مضامين تلك الأفلام وذكاء المخرج في اختيار تلك المضامين لطرحها في سنوات ما بعد الحرب. التنفيذ، فنياً، شيء آخر، لكن المعالجات العاطفية للمواضيع المختارة دفعت بأفلام المخرج إلى التمتع بعروض في مهرجانات عالمية شتى (برلين، تورنتو، لندن، دبي الخ...).

لا ننسى أن شقيق الدراجي، عطية الدراجي، أم ذات الطريق الشائك للحديث عن طائفة دون أخرى في «طريق مريم» (2017) وهو عن رحلة أخرى لاكتشاف حقيقة من وجهة نظر منحازة. عملياً، ليست هناك من بطولة تذكر حين ينقد المخرج، من موقع آمن، مرحلة انتهت خصوصاً وإن متاعب العراق بعد تلك الفترة استمرت لسنوات عدة.

السينما العراقية وذكرى 20 سنة على الحرب
فيلم "رجل خشب" للمخرج قتيبة الجنابي

العراق من الخارج

جاءت جرائم داعش بحق اليزيديين لتزيد من لهيب الطرح الأحادي رغم نبل الرسالة. يتضح ذلك في فيلم حسين حسن «العاصفة السوداء» حول دفاع الأكراد عن اليزيديين ضد داعش. أسوأ منه تنفيذا الفيلم التسجيلي «ثلاث وسبعون درجة مئوية» لباز دنخا شمعون.

لكن لم تكن كل الأفلام موجهة لتخدم قضايا من هذا النوع، بل تحلى العديد منها بنظرة شمولية بعيدة عن التعاطف حول مصاب فريق دون آخر.

أفلام قتيبة الجنابي الثلاث، «الرحيل من بغداد» (2014) و«قصص العابرين» (2017) و«رجل خشب» (2021) تتناول هروب أبطاله من النظام السابق بحثاً عن حرية وسلام. الخوف يركب شخصياته كلها. في الأول هو عن هروب بطله من عراق قبل الغزو بجواز مزيف والثاني عن الهروب من إتباع النظام في أوروبا والثالث عما آل إليه هذا الهروب من فقدان هوية.

في العقد الثاني من القرن الحالي، ظهرت بضع أفلام عراقية عالجت مواضيع حول الهجرة والتشتت بفعل ما مر به العراق قبل النظام وبعده.

لجانب ثلاثية القتيبي، نجد «مسيو كافيه» لجعفر عبدالحميد (أين هو الآن؟) يجول في موضوع عراقيين هاجروا إلى لندن. حكاية عراقي أسمه يوسف (نصري صايغ) ترك العراق سنة 2003. إنه معاد لنظام صدام بالطبع، لكنه أيضاً ضد قرارات الأمم المتحدة التي شملت، آنذاك، منع الدواء والخدمات الإنسانية على حد سواء ما حرم العراقيين من أسس لا غنى عنها ودفعهم لوضع معيشي صعب. هذا الطرح جديد وأعلى مستوى من أفلام سابقة من حيث أنه يلتفت إلى الحالات والظروف الإنسانية التي زادتها قرارات الغرب تعسفاً وضرراً.

السينما العراقية وذكرى 20 سنة على الحرب
فيلم "بغداد في خيالي" للمخرج سمير جمال الدين

ما يؤسف له أن السيناريو مكتوب بلا دراية كافية، لا يحتوي على ما يكفي من مواقف تنتقل بالموضوع قدما على نحو متواصل ومتصاعد. المحاولة ذاتها جادة وكانت تستحق تنفيذاً أفضل لكن الفيلم لا مثيل له في تناوله مسؤولية الغرب حيال تلك الأحداث.

في موضوع الهجرة ذاتها «بغداد في خيالي» لسمير جمال الدين يتحدث عن «كافيه» أخرى تجمع عراقيين لاجئين يطارد بعضهم الخوف من الماضي.

كان جمال الدين حقق فيلماً أفضل عنوانه «أوديسا عراقية» من 162 دقيقة عن هذا الشتات العراقي الموزع ما بين كندا وسويسرا وبريطانيا ودول أخرى. في هذه البانوراما تعامل المخرج مع ذكرياته مباشرة ومع ذكريات أفراد عائلته التي توزعت فوق تلك الربوع.

في الفيلم ذلك البذل الكبير والدقيق الذي صرفه المخرج لتحقيق هذا العمل، تأليفاً وتشكيلاً وكجمع للمعلومات ثم لتنفيذ هذا الكم الكبير من الساعات المصورة سواء أكانت مقابلات أو لقطات إضافية خاصة بالفيلم ثم مزجها (بتوليف جيد أشرفت عليه صوفي برونر) بالمواد الوثائقية المستخدمة بدقة لا يعيبها سوى عدم قدرته على التخلص من نصف ساعة أو نحوها رغم أن الإمكانية متوفرة.

ينطلق سمير (كما يكتفي بوضع اسمه على أفلامه) من التعريف بأقاربه المنتشرين حول العالم: ستة أعمام، عشرون أولاد عم وخمسة أشقاء ثم يتابع ما حدث لخمسة من أقاربه الذين تركوا العراق على مراحل وكل إلى بلد مختلف. في كشفه لما حدث لأفراد العائلة وأقاربها يتابع المخرج بمقابلاته كل ما يجسد الحرمان والتشتت، وهو إذ يفعل ذلك يفتح دفاتر الجميع وتواريخهم الخاصة فإذا بالمشاهد أمام حشد من الشخصيات التي تعاطت السياسة على نحو حثيث ما عرضهم لنقمة المسؤولين في العراق و-أحياناً- خارجه.