نسي كل شيء، لم يتذكر كريمته ونجليه، تناسى أسرته وزوجته الجميلة، عاش وسط الناس بوجهين مختلفين، وجه الشخص الخلوق المهذب حسن السيرة والسمعة في العمل، أما الوجه الآخر كان يظهر في المساء من خلال سهرات «الكيف والفرفشة» مع أصدقاء السوء، ورغم أنه كان حريصاً بشدة على إحاطة نفسه بسياج من الغموض والسرية، إلا أنه ارتكب غلطة كبيرة دفع ثمنها غالياً، وترك لزوجته وعائلته وأسرته ميراثاً من أيام الخزي والعار والفضيحة تلاحق الجميع.
أشلاء آدمية
بطل القصة (المتهم)، من المفترض أنه كان يشغل منصباً مرموقاً في إحدى شركات سوق المال، لكنه وكما أوضحنا كان له العديد من المغامرات العاطفية، صور له خياله المريض أنه أن أي فتاة يمكن أن تكون تحت أقدامه بمجرد الإشارة لها، إلى أن وقع في المحظور. بدأ الكشف عن معالم القصة منذ بضعة أشهر عندما عثر على أشلاء آدمية بأحد الأماكن المتطرفة على حدود العاصمة، وبالفحص والتحريات المبدئية تبين أن جثة المجني عليه لشخص فوق مستوى الشبهات، كانت الجثة لشاب في نهاية العقد الثالث من عمره، كانت معالم الجثة مشوهة الوجه وملفوفة داخل جوال.
انتقل على الفور رجال المباحث الجنائية إلى مكان الواقعة، حيث أثبتت المعاينة المبدئية للجثة وجود عدة طعنات بأنحاء متفرقة من الجسم ويظهر عليها آثار خدوش بأظافر المجني عليه، ما يؤكد وجود مقاومة عنيفة من جانبه، وبين مرتكب الجريمة. تم تشكيل فريق بحث قاده مدير المباحث الجنائية بالعاصمة لسرعة كشف الغموض الذي يكتنف الحادث حيث تم وضع خطة بحث ارتكزت على اتجاهين متوازيين جنباً إلى جنب، الاتجاه الأول وهو الأهم الكشف عن هوية صاحب هذه الجثة خصوصاً وأن معالم وجهه تكاد تكون غير واضحة، أما الاتجاه الثاني كان من خلال بحث حالات الغياب التي تم تحرير محاضر بها بمختلف أقسام الشرطة بالعاصمة. ومن خلال التحريات اكتشف رجال المباحث وجود محضر غياب تم تحريره بأحد أقسام شرطة العاصمة يفيد باختفاء محاسب شاب منذ بضعة أيام في ظروف غامضة.
مفاجأة صادمة للأسرة
أمسك رجال المباحث بطرفي الخيط حيث أكدت مناظرة الجثة مطابقتها لنفس مواصفات الشخص المبلغ بغيابه، ثم بدأت خطة موسعه لفحص علاقات المجني عليه ليكتشف رجال المباحث مفاجئات مذهلة لم تكن في الحسبان، الأمر الذي سبب صدمة كبيرة أيضاً لأسرته. في بداية الأمر كان البعض يظن أن الجريمة تمت بدافع السرقة خصوصاً مع اختفاء متعلقات المجني عليه واختفاء حقيبته الخاصة التي كانت تضم بضعة آلاف من الجنيهات، لكن من التحريات والتوسع في فحص علاقات المجني عليه ظهرت المفاجأة تباعاً، والتي كان أولها أن المجني عليه له علاقات نسائية متشعبة، وهذا ما أقر به بعض المقربين منه أثناء استجوابهم، ما يشير إلى احتمالية أن يكون سبب الجريمة علاقة عابرة أو تورط المجني عليه في علاقة من أي نوع، بعد تحديد شخصية المجني عليه بدأ رجال المباحث في فحص جميع علاقاته بشكل أكثر دقة، وتوصلت التحريات إلى أن الجريمة يقف وراءها أحد الأشقياء، الذي كون تشكيلاً إجرامياً بصحبة عشيقته الراقصة المغمورة.
ليلة سقوط عصابة الراقصة
اكتملت خيوط القضية أمام رجال المباحث وتم تحديد شخصية الجناة جميعاً، حيث تم عمل العديد من الأكمنة الثابتة والمتحركة حتى تم إلقاء القبض على الراقصة، ومن ثم أرشدت عن مكان شريكها واعترفوا بتفاصيل الواقعة. تبين أن الراقصة تعرفت إلى المجني عليه في إحدى السهرات الماجنة، وأوهمته بحبها له، ووعدته بقضاء «ليلة ساخنة» مقابل بعض الهدايا والأموال التي كان يمنحها لها المجني عليه.
وفي الزمان والوقت المحدد طلبت من المجني عليه لقاءها داخل أحد الأماكن لقضاء الليلة معاً وهو لا يدرك أنه سيقع في كمين محكم لاستنزافه وابتزازه. كانت الراقصة وشريكها يعتمدان بشكل كبير على خوف الضحية من الفضيحة، حيث ذهب المحاسب الشاب إلى الراقصة الجميلة وهو يمني نفسه بسهرة لا تنسى. بمجرد دخوله إلى شقة الرذيلة كانت الراقصة الجميلة في انتظاره، تفوح منها رائحة العطر الجذاب، أما ملابسها المثيرة كانت كفيلة بأن تصيب المحاسب اللعوب بالجنون، رحبت به ثم طلبت منه تغيير ملابسه وانتظارها.
كان كل شيء يسير وفقاً للخطة المرسومة بالضبط، حيث دلف المحاسب داخل غرفة النوم، وفور دخوله فوجئ بالراقصة تقتحم عليه الغرفة وبرفقتها شخص آخر يحمل سلاحاً في يده طلب منه كل ما بحوزته من أموال مع إجباره على التوقيع على إيصالات أمانة حتى يتركوه يغادر بسلام وإلا سيكون مصيره الفضيحة بعد أن صوره عارياً.
لكن لسوء الحظ أن المحاسب الشاب رفض الامتثال لهذا الابتزاز فوقعت مشاجرة عنيفة بين المجني عليه والمتهمين قام على إثرها المتهمان بطعن المجني عليه ما أودى بحياته على الفور ثم قام المتهمان بتشويه ملامح الجثة وإلقائه بأحد الأماكن الصحراوية على أطراف العاصمة.
تم تحرير محضر بالواقعة تضمن تفاصيل الواقعة بالكامل واعترافات المتهمين، حيث تمت إحالة المتهمين للنيابة العامة التي أمرت بحبس المتهمين 15 يوماً على ذمة التحقيقات الجارية معهما بتهمة القتل العمد ومحاولة تضليل العدالة عن طريق تشويه الجثة وإلقائها في مكان صحراوي وممارسة السرقة والنصب كما وجهت لهما النيابة اتهامات بممارسة الفسق والفجور.
ميراث العار
بكت زوجة المجني عليه بشدة أثناء الاستماع لأقوالها أمام النيابة العامة، انسابت الدموع على وجنتيها كالأنهار، توقفت الكلمات في حلقها، آخذت تنهيدة كبيرة بأسى وحزن شديدين قائلة «سامحه الله ترك لنا ميراثاً من الفضيحة والخزي بكل ما تحمل الكلمة من معنى».