لويزيت الحريز
تابعت ما جرى في القمة العربية وارتاح قلبي لنبرة المصالحات والجنوح للسلام. ليس هناك ما هو أكثر بشاعة من النزاعات التي تترك وراءها أرامل وأيتاماً وخراباً وجوعاً ومعسكرات لجوء. أرفع هذه الصرخة في كل مقالاتي ورواياتي، فأنا من بلد ذاق ويلات الحروب ولولاها لما عشت مغتربة مثل الملايين من أبناء شعبي.
أما لويزيت المذكورة في العنوان، فإنها سيدة جزائرية تبلغ من العمر حالياً 86 عاماً. كانت في شبابها من المجاهدين الذين ناضلوا ضد استمرار الاستعمار وطالبت باستقلال وطنها الواسع والغني الواقع في الجناح الغربي من الوطن العربي.
بحكم معايشتها للأحداث، كانت لويزيت شاهدة على فظائع بقيت طي الكتمان والتعتيم لعدة عقود. لقد انتهت حرب الجزائر بتحرر البلد من السيطرة الفرنسية بعد أن قدم مليون شهيد. لكن العلاقات بين الجانبين ما زالت تعاني شوائب الماضي. وحتى سنوات قريبة كان الخطاب الفرنسي يتحاشى الحديث عن حرب الاستقلال ويسميها «أحداث الجزائر». ومن جانبها ما زالت الجزائر ترفض العفو عن الآلاف من أبنائها ممن كانوا مجندين في الجيش الفرنسي وحاربوا ضد مواطنيهم.
في صيف عام 2000 نشرت صحيفة «لوموند» الباريسية مقالاً قصيراً للكاتبة فلورنس بوجيه عن التعذيب الذي مارسه الضباط الفرنسيون في الجزائر. وكانت التفاصيل رهيبة ومخزية بحيث إنها أثارت مشاعر شتى داخل فرنسا مما اضطر الجهات العليا إلى الشرح والتبرير. واستندت فلورنس في مقالها إلى شهادة مناضلة سابقة تدعى لويزيت الحريز، تحكي فيها أسرار تعذيبها والاعتداءات الدنيئة التي تعرضت لها في مقر الفرقة العاشرة للمظليين التي كانت متمركزة في الجزائر، تحت إمرة الجنرال ماسو.
بعد ربع قرن تقريباً على ذلك المقال، عادت صحيفة «لوموند» وطلبت من الصحافية لورنس بوجيه أن تكتب سيناريو لفيلم قصير من أفلام الرسوم المتحركة، يسترجع شهادة السيدة الجزائرية المسنة التي كانت من أوائل الذين ساهموا في فضح القسوة التي مورست في حق المعتقلين في مقر الفرقة العاشرة. بعد ذلك اضطر عدد من الجنرالات المتقاعدين إلى الإقرار بالحقائق المخفية. لقد رفعت لويزيت الغطاء عن السر الذي لم يعد سراً.
ويبقى هناك فارق بين أن تعترف فرنسا بتلك المساوئ وبين أن تطلب السماح من الضحايا. فالسماح قد يدفع هؤلاء إلى إقامة دعاوى وطلب تعويضات. أما لوزيت فهي قد تتغاضى وتقول: «ربي يسامحهم». لكنها شخصياً لن تغفر للذين تسببوا في أوجاع ما زالت تعانيها وكوابيس لا تفارق منامها.