قبل عاماً واحد فقط، التحق «ع.م» شاب آسيوي، في إحدى الشركات التجارية بمهنة سائق، وكان مثالاً للإخلاص والتفاني في العمل، وتنفيذ المهام التي تقع على عاتقه، إلى أن أصبحت الشركة تأتمنه على نقل الملايين من المبالغ المالية إلى البنوك والشركات التي تتعامل معها.
كان السائق، وفقاً لتفاصيل القضية التي اطلعت «كل الأسرة» عليها من حكم محكمة الجنايات في دبي، يسرد إلى أقاربه المهام التي تكلفه الشركة بتنفيذها، والملايين التي ينقلها في الحقائب بشكل دوري إلى البنوك والشركات.
أحد المستمعين إلى أحاديث السائق كان عمه، والذي غلب عليه الطمع بضرورة التدبير لسرقة هذه الأموال ليصبحوا أثرياء، فبدأ بالفعل في تحريض ابن أخيه «السائق» على أن يقدم في أحد الأيام على سرقة المبالغ المالية، واعداً إياه بأنه سيساعده من خلال إخفائه وتهريبه إلى خارج الدولة.
كان السائق يرفض بشدة في البداية إلا أن عمه اللجوج استمر في محاولة إقناعه بشتى الطرق عبر الحديث عن وضعه المادي الصعب، وكيف سيتحول وضع العائلة جميعها إلى أثرياء في وطنه الأم بلمحة عين.
الموافقة على السرقة والتنفيذ
كثرة الضغط على السائق دفعه إلى الموافقة على تنفيذ تعليمات عمه، وفي يوم الواقعة توجه إلى مقر عمله كالمعتاد، وتحديداً إلى مكتب المحاسبة، حيث استدعاه أحد المحاسبين وسلمه مبلغ 500 ألف درهم وطلب منه أن يقوم بإيداعه في حساب الشركة بالبنك.
يقول المحاسب في التحقيقات عن ذاك اليوم «لم يكن هذا المبلغ الوحيد الذي استلمه السائق، فقد سلمته زميلتي المحاسبة أيضاً، مبلغ 545 ألف درهم ليقوم بدفعها لشركة نتعامل معها في المنطقة الحرة بدبي، ليصل إجمالي المبلغ الذي استلمه إلى مليون و45 ألف درهم، وكنا نسلمه المال دون سند قبض بسبب الثقة فيه».
وأضاف «أخذ السائق المبلغ المالي، وانطلق لتنفيذ المهام التي تقع على عاتقه، وبعد وقت قصير من خروجه حاولت الاتصال برقم هاتفه إلا أنه كان مغلقاً، ولم تصلنا رسالة كالمعتاد من البنك تفيد إيداع المبلغ المالي، كما وأنه لم تبلغنا الشركة التي أرسلنا المال لها باستلامه، وهذا كان غريباً ويدعو للشك».
أين ذهب السائق؟
بعد أن تصادف إغلاق الهاتف وعدم إيداع في البنك أو تسليم المال للشركة الأخرى، أيقن المحاسبون أن السائق خان الثقة والأمانة التي سلمت له، وسارعوا إلى تقديم بلاغ للشرطة حول الواقعة، لتباشر التحقيق في اختفاء السائق «الغامض».
أما السائق فكان في ذاك الوقت متجهاً إلى مقر سكن عمه في إمارة أخرى... وبعد وصوله أخذ العم المال كاملا ثم استدعى «ابن عمته» الذي يعمل طباخاً في الدولة، وسلمه مبلغ 300 ألف درهم، وطلب منه تحويله إلى موطنه، فيما سلم شقيقه «العم الثاني للسائق»، مبلغ 50 ألف درهم للاحتفاظ بها.
في تلك الأثناء، كان عم السائق قد أبلغه أنه سيبدأ في تحول المبلغ المالي إلى موطنه الأم، وأنه سيعمل الآن على تهريبه من خلال الحدود إلى بلادهم، لكن المخططات كافة باءت بالفشل، حيث تمكنت الشرطة من الاستدلال على مكان تواجد السائق واختفائه في منزل عمه.
مداهمة وضبط
داهمت الشرطة المنزل وتمكنت من إلقاء القبض على السائق وعمه المحرض، وعمه الثاني وابن عمتهم، وعثرت بحوزتهم على باقي المبالغ المالية المسروقة، يقر السائق بعد ضبطه في التحقيقات «أن عمه الذي لجأ إلى منزله، هو العقل المخطط والمدبر لواقعة الاستيلاء على المال، وهو من حرضه على تنفيذ الجريمة».
وأضاف السائق «أنه سلم عمه كامل المبلغ، وأخذ جزءاً منه لنفسه لا يعلم مقداره، على أن يقوم عمه بتحويل المبلغ المتبقي له بعد أن يتمكن من الهروب من الدولة».
الحبس والغرامة والإبعاد
بناء على ذلك، وجهت النيابة العامة إلى السائق، أمام الهيئة القضائية في محكمة الجنايات، تهمة «اختلاس مليون و45 ألف درهم من مقر عمله، والمسلمة إليه على سبيل الوكالة»، فيما اتهمت العم المحرض بتهمة «الاشتراك في الجريمة عبر التحريض على خيانة الأمانة».
أما العم الثاني وابن العمة، فوجهت النيابة العامة لهما تهمة الحصول على أموال في «ظروف تحمل على الاعتقاد بعدم مشروعية مصدرها»، مطالبة بمعاقبتهم جميعاً بالحبس والغرامة والإبعاد عن الدولة تطبيقاً للمرسوم بقانون العقوبات والجرائم الاتحادي رقم 31 لسنة 2021.
دانت محكمة الجنايات جميع المتهمين في الجريمة، وقضت بمعاقبة «السائق وعمه المحرض» بالحبس لمدة عام وأمرت بإبعادهما عن الدولة بعد قضاء مدة الحكم في السجن، فيما قضت بتغريم العم الثاني وابن العمة عن تهمة حيازة المال المسروق، مبلغ 20 ألف درهم لكل منها.
وختمت محكمة الجنايات حكمها بتغريم جميع المتهمين متضامنين مليوناً و45 ألف درهم قيمة المال الذي تم اختلاسه من الشركة.