06 يوليو 2023

د. هدى محيو تكتب: لماذا يتخلى الناس عن تهذيبهم على الشبكات الاجتماعية؟

أستاذة وباحثة جامعية

د. هدى محيو تكتب: لماذا يتخلى الناس عن تهذيبهم على الشبكات الاجتماعية؟

كثيراً ما نجد الشبكات الاجتماعية مساحة لصراعات مذهلة في حدتها، وبالأخص حول مسائل سياسية أو دينية أو أخلاقية أو حتى فنية. نجد فيها مواجهات طاحنة بين مجموعات متناحرة يعبر كل واحد فيها عن سخطه واستنكاره الشديدين لآراء مجموعة أخرى.

لا شك في أننا قد شهدنا، قبل عصر الشبكات الاجتماعية، مواجهات كلامية بين أطراف متصارعة. بيد أن درجة السخط والتنديد والقدرة على اتهام الطرف الآخر بأشنع الصفات بدافع من الإحساس بالصدمة الأخلاقية إزاء ما صدر عنه من كلام، لم يقارب إلا نادراً ما وصلنا إليه اليوم على «تويتر» مثلاً. فما هو تفسير هذه الظاهرة الغريبة؟ ولماذا لا يستطيع كاتب التغريدة أن يسيطر على نفسه كما يفعل في الأحاديث الوجاهية؟

جاءت دراسة من جامعة «يال» لتجيب عن هذه الأسئلة، وتقول إن قارئي التغريدات يفرطون في تقدير درجة السخط الأخلاقي التي يشعر بها كاتبو التغريدات، فيظنون أنهم ساخطون أكثر بكثير ممّا هم عليه حقيقة. ويزداد هذا الخطأ في التقدير بحسب زيادة كمية الوقت الذي يقضيه المرء على صفحات الشبكات.

أما من أسباب المبالغة في تقدير سخط الكاتب فهو غياب مجموعة الإشارات غير اللغوية، من تعابير الوجه والنبرة وسواهما، عن الرسائل المكتوبة، وهي إشارات تسمح خلال الأحاديث وجهاً لوجه بحسن تقدير مشاعر الطرف الآخر. فأي أثر يترك سوء التقدير هذا على مشاعر القارئ؟

في غياب الإشارات غير اللغوية، ينحو العقل البشري، بشكل فطري، إلى تفسير الكلام بطريقة سلبية باتجاه مزيد من التنديد والسخط والإدانة. وحين يستشعر القارئ (حتى عن خطأ) صدمة عميقة لدى أفراد المجموعة التي ينتمي إليها، يشرِّع لنفسه التعبير بدوره عن إحساسه بالصدمة فيقوم بالتنديد بكلمات جارحة لندخل في سباق سخط وإدانة وتنديد لدى مختلف المجموعات.

ومن شأن هذا السباق أن يعطي أفراد المجموعة إحساساً متزايداً بتماسكها ضد مجموعات منافسة، فيضاعف حالة الاستقطاب لتشتد الخصومة أكثر فأكثر بين مختلف المجموعات، وتعلو الأصوات وتصدح ويتم تعدّي حدود اللياقة والآداب في التخاطب، فتصير العودة إلى طريق التصالح والود أمام حائط مسدود.

ويحكى لمعالجة هذه المشكلة عن زيادة رسوم الوجوه التعبيرية من أجل سد النقص الذي يتركه غياب الإشارات غير الكلامية، لكن هذا لن يتمكن من أن يحل محل كل الإشارات التي يتبادلها المتحادثون وجهاً لوجه. لذا، فإن من لديه عادة التعامل بتهذيب وأدب في علاقاته اليومية الوجاهية في حين أنه يطلق العنان لنفسه على الشبكات الاجتماعية، عليه أن يعود إلى أخلاقه الحميدة ويسهر على التصرف على الشبكة كما يتصرف في الحياة العادية وليس العكس.