23 يوليو 2023

فرنسيات في فخ جرائم الاحتيال العاطفي.. عشاق نصابون يظهرون ويختفون برمشة عين

كاتبة صحافية

فرنسيات في فخ جرائم الاحتيال العاطفي.. عشاق نصابون يظهرون ويختفون برمشة عين

استيقظت كاترين ذات صباح لتكتشف أن كل الحب الذي عاشته مع فنسان كان خدعة. إنها واحدة من عشرات الفرنسيات اللواتي يقعن ضحايا رجال نصابين يجيدون اختيار طرائدهم من النساء الوحيدات والساذجات والباحثات عن الحب. وفي ملفات الشرطة مئات الشكاوى التي يمكن إدراجها تحت عنوان: جرائم الاحتيال العاطفي.

فرنسيات في فخ جرائم الاحتيال العاطفي.. عشاق نصابون يظهرون ويختفون برمشة عين

لعل ما عاشته كاترين كان حلماً جميلاً دام فترة قصيرة، لكنه كلفها كل مدخراتها: 83 ألف يورو. وقد بدأت الحكاية حين تعرفت في أحد المراقص على شاب أسمر لم يرفع عينيه عنها. قدم نفسه لها بأن اسمه فنسان، وأنه دبلوماسي في سفارة النيجر في باريس. وقد دعاها مع عدد من الموجودين لتمضية بقية السهرة في بيته، وكان بيته شقة فاخرة في حي «نويي» الراقي. ولدى وصولها وجدت أن الآخرين لم يحضروا وهي وحيدة. فاعتذرت منه وفضلت العودة إلى بيتها. ولم يعترض على رغبتها ولا حاول استبقاءها.

كان ذلك في يونيو 2022. وبعد يومين من اللقاء الأول راح يرسل لها رسائل على هاتفها تفيض عذوبة وغراماً. قال لها إنه قائم بالأعمال في السفارة ووظيفته هي التفاوض على صفقات تسليح لبلده. أما هي فكانت تعمل موظفة بسيطة مسؤولة عن استقبال العملاء في شركة تجارية، وهي في منتصف الثلاثينات من عمرها، تقيم في شقة متواضعة شمال العاصمة. وهكذا وافقت على لقائه مجدداً وبدأت بينهما علاقة مثل تلك التي تقوم بين شخصين متحابين.

فرنسيات في فخ جرائم الاحتيال العاطفي.. عشاق نصابون يظهرون ويختفون برمشة عين

ذبابة في الأفق

في لقاءاتهما الخاصة كان فنسان يتصرف مثل جنتلمان حقيقي. يرسل لها باقات الورد ويأتي معه بقناني الشراب الفاخرة، وإذا شعرت بالجوع يطلب العشاء لهما من أرقى المطاعم. كما كان يرسل لها خادمة لتقوم بتنظيف شقتها، وهو ما لم يتوفر لها من قبل. وحين يخرجان للسهر فإنه دائماً يدفع الحساب بكل أريحية. كان، باختصار كريماً ولطيفاً ومهذباً وفيه كل ما تتمناه المرأة. لكن ذبابة ظهرت في الأفق بعد أسبوعين من اللقاء. فقد قال لها بأنه وقع على ألماسة صفراء رائعة في المزاد وينوي شراءها، لكن الحجر كبير ومن الأفضل قطعه إلى قسمين، واحد لوالدته وواحد لها، وفي انتظار ذلك أخبرها بأنه ينتظر تحويلاً قدره 20 ألف يورو من الخارج، ثم تأخر التحويل وكان المزاد بعد يومين، وطلب من كاترين أن تقرضه المبلغ، دون أي إلحاح. وبكل محبة وثقة أعطته المبلغ المطلوب.

حل شهر يوليو وظهرت ذبابة جديدة. قال لها إن هناك باخرة محملة بالبترول من إيران، وعليه أن يدفع ثمن الشحنة. لكن تعقيدات طرأت على حسابه وطلب منها أن تساعده في توفير المبلغ. سألته: كم تريد؟ أجاب: 30 ألف يورو. شعرت كاترين بأنه يعتبرها بنكه الخاص. وفي كثير من المواقف كان عليها أن تخرج بطاقتها المصرفية وتدفع بدلاً عن الحبيب الدبلوماسي الذي تولهت بسمار بشرته. وفي إحدى المرات دعا شلة من الأصدقاء على العشاء في مطعم وكان عليها أن تسدد الحساب لأنه أضاع بطاقة ائتمانه. ولما ظهر عليها الغضب أكد لها بأنه سيرسل لها المبلغ في الصباح التالي مع سائق السفارة. ولم يصل السائق... طبعاً.

في ذلك الشهر، وجدت كاترين في بريدها بطاقة دعوة من رئيس الجمهورية وزوجته بريجيت لحضور الحفل الذي يقام في حدائق القصر الرئاسي سنوياً بمناسبة اليوم الوطني في 14 يوليو. قال لها فنسان إنه هو من طلب إدراج اسمها ضمن المدعوين. ونظراً لأن الدعوة موقعة من الرئيس فإن كاترين لم يساورها الشك في أنها مزيفة وغير حقيقية. وهكذا استعدت للمناسبة. ووجدت نفسها تتطلع إلى عالم آخر لا يشبه واقعها. عالم براق محاط بالعطر والحدائق الجميلة وبمقابلة علية القوم. لقد عاشت عدة أشهر فوق غيمة وردية. وفي اليوم الموعود تظاهر الحبيب الأسمر بالمرض وطلب من كاترين ملازمته وعدم الذهاب إلى دعوة «الإليزيه».

استغرق الأمر أسابيع عديدة لكي تصحو العاشقة المسحورة من غيبوبتها. ففي شهر أغسطس قررت مواجهة فنسان وسؤاله عن حقيقة نشاطاته، فهو يسهر كل ليلة حتى الفجر. وطلبت منه أن يعيد تنظيم حياته ووعدها بأنه سيفعل ما يرضيها. وهنا قام بآخر محاولاته للنصب عليها. فقد كانت هناك شحنة بترول ثانية، والمبلغ المطلوب هذه المرة 50 ألف يورو. كم كانت ساذجة لكي تصدق أكاذيبه. تقول إن الشكوك راودتها لكنها كانت منقادة له وتثق في خبراته. كان يخنقها بباقات الورد ويكرر أنه يعشقها وهي امرأته وسيأخذها إلى النيجر لتتعرف إلى والدته وسيعيشان هناك ويؤسسان شركة تجارية خاصة وسيجعل منها سيدة أعمال ثرية.

فرنسيات في فخ جرائم الاحتيال العاطفي.. عشاق نصابون يظهرون ويختفون برمشة عين

بائع الأحلام.. طار

ذات صباح اختفى فارس الأحلام. قال لها إنه مضطر للسفر إلى نيويورك لحضور مؤتمر لـ «اليونسكو» مع رئيس بلاده. وقبل السفر وقع لها على وصولات أمانة يعترف فيها بديونها عليه. لكنه اختفى وانقطعت أخباره. سارعت إلى الاتصال بصديق مشترك وفوجئت به يخبرها بأن تحذر من فنسان لأنه شخص غامض وقد استدان مبالغ كبيرة من أصدقاء آخرين.

حاولت الوصول إليه عبر سفارة بلده، اكتشفت أنهم لا يعرفون أحداً بهذا الاسم، وهو لم يكن دبلوماسياً أصلاً، بل يعمل بائعاً في مخزن لثياب الأطفال. أما شقته الفخمة فلم تكن شقته فهو يقيم في الضواحي. وسائقه الذي يأتيه بالطعام والشراب ليس سوى عامل توصيل طلبات إلى المنازل. وبالإضافة إلى الصدمة وجرح القلب، كان على كاترين أن تداوي جرحاً آخر، فقد سلبها كل ما كان في رصيدها المصرفي: 83 ألف يورو. ولم تكن وصولات الأمانة سوى حبر على ورق لأن فنسان ليس اسمه الحقيقي ولا العنوان عنوانه. ولم يكن أمامها سوى البحث عن محامي والتقدم بشكوى إلى النائب العام. والتهمة هي الاحتيال والتزوير في وثائق رسمية.

إن الدبلوماسي الوسيم مطلوب للعدالة، حالياً، وهناك عدة نساء تقدمن ببلاغات ضده بتهمة الاحتيال العاطفي وسلب الأموال. وأمام هذه الحقيقة تأكدت كاترين من أن حبيبها لم يكن سوى بائع أحلام بارع في مهنته، وأنها أضاعت سنتين معه وفقدت مدخراتها باسم الحب. وها هي قد فقدت الثقة في الحب وفي الرجال، لكنها تريد أن تكون قصتها درساً لنساء أخريات. فأمام المحاكم الفرنسية، حالياً، عشرات القضايا المشابهة، طرفاها امرأة تشتاق للحب ورجل نصاب يعرف كيف يستغل حاجتها.

فرنسيات في فخ جرائم الاحتيال العاطفي.. عشاق نصابون يظهرون ويختفون برمشة عين

الأشكال مختلفة والنصب واحد

في المحاكم، تكتشف العاشقة المخدوعة أنها ليست حالة نادرة، بل هناك مثلها كثيرات. وعموماً فإن العناوين متشابهة مع اختلافات في التفاصيل. وغالباً ما يجري الصيد في المراقص والنوادي الليلية. فالنساء الوحيدات لا يذهبن بمفردهن بل برفقة صديقات. وهناك في قلب كل واحدة أمل بأن تلتقي فارس الأحلام الذي سيضع حداً لوحشتها. وبينهن من تكتفي بعلاقة عابرة، لكن تعيسة الحظ هي من تقع في براثن محتال محترف يرتاد تلك الأماكن ليصطاد الضحية ويسلبها ما تملك.

تتلخص عدة النصب في شيء من الوسامة والرجولة والمظهر الأنيق والكلام المعسول. إن الصياد يعرف حاجة طريدته للحنان. وهو يغرقها بالمدائح، الأمر الذي يعزز ثقتها بنفسها وبأنها جميلة ومرغوبة. وبما أن المجتمع الفرنسي يسمح بعلاقات من هذا النوع فإن الضحية لا تشعر بأنها تقوم بعمل مخالف للتقاليد، فهي حرة في حياتها ومن حقها أن تحب الرجل الذي اختارته. كما أنها حرة في نقودها، تنفقها على من تحب. وهناك نساء كثيرات «يشترين» رجالاً، وهن لسن مخدوعات بل يدركن أن لكل شيء مقابلاً. والمخدوعة هي من تصدق أن الشاب الوسيم وقع في عشقها فتغدق عليه كل ما تملك وهي تظن أنه في ضائقة وسيرد لها الدين أضعافاً. لقد وقعت كاترين في فخ الألماسة الصفراء فلم تحصل عليها ولا على خاتم الزواج الموعود.