مشهد من فيلم Saint Omer
اخترنا هذين الفيلمين الأجنبيين لأن كل منهما يتوخى تحقيق ذاته بأسلوب يوظف السينما في شكل مسرحي. «سانت أومير» يتخذ الفيلم دراما محاكم مستوحاة من وقائع حقيقية. الفيلم محبوس في المحكمة ما يجعله أقرب إلى فعل مسرحي. أما فيلم «مخلوق» فهو في الأساس اقتباس من مصدر مسرحي.
فيلم الجوائز Saint Omer.. ثرثرة في المحكمة
«سانت أومير» دراما محاكم يتولى تقديم روائية فرنسية شابة من أصول إفريقية اهتمت بقضية امرأة إفريقية الأصول أيضاً تحاكم بتهمة ترك طفلتها على شاطئ البحر مما أدى لغرقها. هذا التأسيس والاهتمام يمر في عشر دقائق، باقي الفيلم هو- بمعظمه- عن المحاكمة ذاتها. الكاميرا تنتقل من القاضية إلى المتهمة ثم إلى القاضية ومنها إلى المتهمة طوال الوقت. تقطع قليلاً لتظهر المدعي العام والمحامية والجالسين (مقابل 200 يورو في اليوم) كحضور. وبينهم بالطبع تلك الشابة التي تتابع وتشعر بالألم لكونها مرت بمحنة في طفولتها.
القصة واقعية: في شهر نوفمبر من سنة 2013 تم العثور على جثة طفلة جرفها الموج إلى الشاطئ. تم القبض على والدتها افابيان كابو التي كانت هاجرت من السنغال للدراسة في فرنسا وأنجبت هذه الطفلة فيها. هي، في دفاعها عن نفسها، تنفي أنها أهملت ابنتها. الادعاء العام يرى غير ذلك، وهناك لعبة بينغ بونغ بطيئة ومملة بين أعضاء هيئة المحكمة والمدعى عليها.
المرأة الإفريقية الشابة التي تحضر الجلسات (على عدد أيام) هي راما (كايجي كاغامي)، وهي تعتبر القضية ذات صلة بمحاولة فهمها للمشكلة الاجتماعية الماثلة. هناك، في اعتبارها، أن الرجل الذي أنجبت منه أكبر سناً منها وهو رجل أبيض. راما تحاول فهم العامل العاطفي والبحث عن السبب الذي من أجله أهملت المرأة طفلتها ما تسبب في غرقها.
لكن المتابعة والاهتمام شيء وانتقال المحنة إلى راما وهي يجعلها تتلوى من الوجع وتتحسس بطنها وتبكي وتتقيأ، شيء آخر. الرابط واهن بين الحالتين. هي لم يكن لديها طفل تركته على الشاطئ أو داخل سيارة بلا منفذ هواء. لكنها تمثل- حسب شهادة المخرجة في كلمتها عن الفيلم- المخرجة ذاتها. تقول في كلمتها: إنها حضرت تلك المحاكمة سنة 2016 وتأثرت بها. لكن هذا التأثير لا وجود له في الفيلم ذاته. إذا كان هناك من وجود فهو الضجر من حكاية ووقائع نسمعها ولا نشاهد منها شيئاً.
هذا إخراج كسول منمق أحياناً ببعض المواقف وبأغنية لنينا سايمون عنوانها Little Girl Blues علينا أن نسمعها كاملة ربما لتملأ بعض الوقت الإضافي.
الحوارات بدورها طويلة وكثيرة في أفلام كثيرة (مثل The Whale وTar) كما لو أن هناك توجهاً للعمل ضد السينما وتفكيك لغاتها السردية والفنية. هناك أفلام كثيرة قامت على الحوار (أفلام انغمار برغمن) وبعضها على مونولوغ فردي (مثل «شرف سري» لروبرت ألتمن) لكنها مصحوبة بعمق ما تطرحه من أحوال الناس وبذكاء معالجتها لدى مخرجيها وهذا لا وجود له لا في «سانت أومير» (بلدة فرنسية) ولا في الغالب مما شاهدناه هنا على هذا المنوال.
باليه Creature.. حكاية مفتعلة عاطفياً واجتماعياً
الفكرة التي ينطلق منها المخرج البريطاني- الأفغاني عاصف قبضايا مقتبسة من مسرحية كتبها أكرام خا الذي شارك في توجيه وترتيب العناصر المسرحية للفيلم كذلك. الغاية هي نقل المسرحية باستعراضات الباليه التي تحتويها إلى الشاشة وصنع فيلم جيد منها.
إلى الآن، فإن خلفية المخرج قبضايا ليست متوازنة. لديه أفلام تكاد أن تكون رائعة (The Warriior سنة 2001) وأخرى مخيبة للأمل (The Teturn سنة 2005). بين الصنفين هناك أفلام جيدة أو معتدلة الجودة من بينها Uneternal City سنة 2008 وSenna سنة 2010. هذا الفيلم الجديد من بينها.
هناك مخلوق غامض محتجز في معسكر يديره ضابط قاس يقوم بإجراء تجارب علمية عليه لكي يتعرف إلى إمكانية استخدامه في مهام معينة. المخلوق بذلك حقل تجارب ومن المتوقع، نسبة لموقف الفيلم وكما في فيلم The Shape of Water لغويلرمو دل تورو (2017)، التعاطف معه.
هذه المقارنة بين «مخلوق» و«شكل الماء» لا يمكن إغفالها وربما مفتاح تحقيق طويل كون هناك سابقة حول الموضوع ذاته طرحته الروائية ماري شيلي سنة 1818 عندما كتبت «فرنكشتاين». في كل هذه الحالات، وفي مسرحية وضعها جورج بوشنر بعنوان Woysck في العام 1836، صلة واضحة وهي أن العلم يمكن له التضحية بكل الأخلاقيات والمبادئ في سبيل تكوين مخلوق يوظفه كيفما يشاء وعادة فيما لا يفيد المجتمع بل يشكل خطراً عليه.
فيلم قبضايا موحش، والأهم هو أنه لا يتمكن من تمرير المفاد المذكور قبل قليل. وبينما يحافظ المخرج على الأصل المسرحي والراقص للفيلم يفشل في منح المشاهد فرصة قراءة ما وراء تلك التيمة على نحو يفيد العمل عوض أن يوفره كمجرد حكاية. إلى ذلك، فإن تنفيذ رقصات الباليه يشكون من رتابة أكثر مما هو تجسيد جميل للحركة وتصميمها. والمعاناة تزداد عندما تتدخل موسيقا ڤنسنت لامانا لمنح الفيلم خلفيته الموسيقية فإذا بها (وتبعاً لاختيار خطأ من المخرج) تهدر فوق المشاهد كما لو أنها مباراة إثبات وجود.
في حديثه عن الفيلم يقول المخرج قبضايا إنه قصد من الفيلم: «التحذير من العلم الذي يهدف إلى تجيير العالم الذي نعيشه واستغلاله. أرى أن الإنسان عليه أن يهتم بالبيئة التي يعيش فيها قبل أن يدمر الأرض والفضاء معاً».
هذه رسالة إيجابية مهمة ومطلوبة لكنها ليست واضحة في الفيلم. وربما كان الأفضل تغييبها تماماً والاكتفاء بعمل فني خالص، خصوصاً وأن الفريق الذي يؤدي الرقصات يعرف أكثر مما نعرف نحن عن شروط الرقص الفنية. لذلك يبدو كل استعراض من هذا النوع مجرد حركات لأجساد رشيقة ومثيرة للاهتمام لكنها تبقى بعيدة عن التعامل والتعاطف.