المتهم في هذه الجريمة البشعة لم يكن من عتاة الإجرام وتعتبر هذه الجريمة هي الأولى له في حياته وربما تكون الأخيرة وفقاً للحكم القضائي الذي ينتظره بعد إحالته لمحكمة الجنايات، خسر المتهم أمواله، تراكمت عليه الديون، وبدلاً من التفكير في حل واقعي للخروج من النفق المظلم، هداه تفكيره إلى سرقة أحد التجار الذي كان يعلم كل كبيرة وصغيرة عنه، مستغلاً عنصر المفاجأة والمباغتة، لكن القدر كان له بالمرصاد، بعدما نجح المجني عليه في التعرف إليه، الأمر الذي دفعه للتخلص منه خوفاً من افتضاح أمره.
كانت حياته تعتبر مثالية بشكل كبير، وبعد وفاة الأب ورث الجزء الأكبر من ثروته بصفته الولد الوحيد، تعلق قلبه بإحدى الفتيات التي استحوذت على تفكيره، تقدم للزواج منها، وأثمر زواجهما عن وجود طفلة جميلة كانت قرة أعينهما. الحياة كانت تسير مع الأسرة الصغيرة بشكل رائع إلى أن تعرض الزوج لأزمة مالية طاحنة في عمله خسر فيها معظم أمواله، فساءت حالته النفسية كثيراً خصوصاً مع طلبات عائلته التي لا تنتهي ومستوى المعيشة المرتفع الذي تعودوا عليه، كل محاولاته للخروج من النفق المظلم الذي تعرض له باءت بالفشل، اسودت الدنيا في عينيه وشعر وكأن الدنيا كلها تعانده.
خيانة وحيلة شيطانية
لاحظت الزوجة الحزن المرسوم على قسمات وجه زوجها، أيام وليال طويلة تمر بطيئة، كئيبة وحزينة، قامت الزوجة ببيع مشغولاتها الذهبية، لكنها لم تكفي سداد كل الديون والالتزامات الملقاة على عاتقه. اسودت في وجهه الدنيا وكأنه عاد إلى نقطة الصفر مرة أخرى، لم يفكر في أي حلول بديلة منطقية، كل ما هداه إليه تفكيره الشيطاني هو القيام بسرقة أحد أصدقائه الذي يتعامل معه في أمور البيع والشراء، حيث كان يعلم أن صديقه هذا يسهر إلى الساعات الأولى من الصباح لإعادة ترتيب المتجر ومراجعة كافة الحسابات بنفسه بعد أن يغادر جميع العمال المكان.
الاستعانة بزوجته للسرقة
كان الزوج في حاجة إلى شريك يساعده في تنفيذ المهمة المستحيلة، اختمرت الفكرة في ذهنه، قرر الاستعانة بزوجته لتساعده في ارتكاب الجريمة، والمفاجأة أن زوجته أيدت الفكرة ولم تبدِ أي اعتراض، لم يتبق سوى تحديد ساعة الصفر للتنفيذ. عقارب الساعة اقتربت من منتصف الليل، الهدوء بدأ يعم المكان.. ووفقاً للخطة المرسومة بدقة، ارتدى الزوج والزوجة الأقنعة التي تخفي ملامحهما، استقلا سيارتهما وانتظر خروج صاحب المتجر بسيارته وبحوزته حقيبة النقود. كان من عادة هذا التاجر أن يذهب بالنقود إلى بيته في آخر اليوم ومن ثم ينطلق بها إلى البنك في صباح اليوم التالي، كانت هذه المعلومة يعلمها جيداً المتهم، فرسم خطته الشيطانية بناء على معلوماته.
ساعة الصفر
انطلق التاجر بسيارته عائداً لمنزله قبل الفجر بدقائق معدودات، كانت الخطة تقتضي قطع الطريق على التاجر، وتهديده وسرقته، في الزمان والمكان المحددين. وبدون مقدمات قامت سيارة المتهمين بقطع الطريق على المجني عليه، الذي فوجئ بشخص يرتدي قناعاً يهدده بالقتل لو لم يسلمه الحقيبة التي بحوزته، لكن المفاجأة غير المتوقعة، كانت في مقاومة هذا التاجر المسن، وقعت مشاجرة بين الطرفين نجح خلالها المجني عليه في إزالة القناع من على وجه المتهم وتعرف إلى شخصيته، وبمجرد الكشف عن هوية السارق تغيرت ملامح الخطة تماماً، لذا قام المتهم بإمطار التاجر بوابل من الطعنات التي أفقدته توازنه وأسقطته أرضاً غارقاً في دمائه.
جثة على الطريق
في صباح اليوم التالي للجريمة، تم العثور على جثة التاجر الكبير. ومن سوء حظ الجناة، أن المجني عليه كان مازال على قيد الحياة، لكن حالته صعبة جداً، كان يردد اسماً محدداً ولم ينطق بأي كلمة أخرى. حمله بعض المارة إلى قسم الاستقبال بمستشفى العاصمة، في محاولة لإنقاذه، لكن يبدو أن شدة الطعنات لم يتحملها جسده النحيل وفارق الحياة. دقائق معدودة وتم الاتصال برجال قسم شرطة العاصمة الذين حضروا على الفور لمتابعة البلاغ، تحريات موسعة بدأها رجال المباحث، بدأت بفحص علاقات المجني عليه، ثم الاستماع إلى شهادة الشهود الذين قاموا بنقله إلى المستشفى، حتى فجر أحد الشهود مفاجأة مدوية كانت هي الخيط الذي أمسك رجال المباحث بتلابيبه. أكد أحد الشهود أن المجني عليه وقبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة كان يردد أحد الأسماء وكنا نظن أنه نجله، بالفحص والتحري تبين أن هذا الاسم ليس نجل المجني عليه وإنما اسم صديق له يعمل في التجارة أيضاً، وتبين من التحريات أن صاحب هذا الاسم خسر مبالغ مالية ضخمة في تجارته ويعاني ضائقة مالية كبيرة.
لغز الاسم المجهول
بدأت الخيوط تتشابك أمام رجال البحث الجنائي، حيث تم تسيير مأمورية أمنية لسرعة ضبط هذا التاجر الذي لم يوجه له اتهام مباشر بالقتل حتى لحظة القبض عليه، وبمجرد سقوطه وتضييق الخناق عليه، قدم اعترافات تفصيلية لطبيعة جريمته الحمقاء، مؤكداً أنه لم يكن ينوي أو يقصد قتل المجني عليه ولكنه فوجئ بمقاومة شديدة منه على غير المتوقع، كما أن المجني عليه نزع عنه قناع الوجه ونجح في التعرف إليه، ما دفعه لطعنه حتى يتخلص من الشاهد الوحيد على جريمته. كما حاول المتهم تبرئة زوجته، مؤكداً أن دورها اقتصر فقط على قيادة السيارة ولم تشترك معه في الجريمة، إلا أن رجال المباحث قاموا بالقبض عليها بصفتها شريكة الزوج.
تمت إحالة المتهمين إلى النيابة العامة التي وجهت للزوج تهمة القتل العمد المقترن بالسرقة ومحاولة تضليل العدالة، كما وجهت للزوجة تهمة الاشتراك في جريمة قتل مقترنة بالسرقة، بالإضافة إلى التستر على المجرم القاتل ومحاولة تضليل العدالة، حيث أمرت النيابة بحبس المتهمين 15 يوماً على ذمة التحقيقات الجارية معهما لحين تحديد جلسة وإحالتهما لمحكمة جنايات العاصمة.