هذا الفيلم من إخراج: عديلة بن دمراد، داميان عنواري ، وأدى الأدوار الأولى فيه : عديلة بن دمراد، دالي بن صالح، فتحي نوري.. وهو من إنتاج الجزائر (مع مشاركة سعودية) (2022). مرت عشر سنوات منذ أن قام المخرج داميان عنواري بتحقيق أول فيلم طويل له وهو «فدائي» (2012). ذلك الفيلم (نال الجائزة الفضية كأفضل فيلم تسجيلي من مهرجان «نيو دايركتورز، نيو فيلمز» النيويوركي) كان عملاً جيداً عن رجل عمل لصالح جبهة التحرير الجزائرية لقتل متعاون مغربي يقطن باريس خلال سنوات الثورة الجزائرية. تابع المخرج هناك بإمعان وضع هذا الجزائري الذي نفذ حكم الإعدام بالخائن. يكشف المخرج عن أن «الفدائي» كان قريباً له.
في فيلمه الجديد، تبقى الجزائر محط اهتمامه. هذا هو فيلمه الطويل الثاني الذي قام بتحقيقه مع بطلة الفيلم عديلة بن ديمراد وهو يختلف في كل شيء باستثناء أن الموضوع ما زال جزائرياً لكنه ليس عن فرد ضد آخر، بل فتح المخرجان صفحة ضائعة من تاريخ الجزائر البعيد وعملا معاً على إضاءتها كما لم يفعل فيلم جزائري أو غير جزائري من قبل.
يعود «الملكة الأخيرة» إلى القرن السادس عشر مؤسساً لفيلم ملحمي على نحو الأفلام التاريخية الكبيرة التي أنتجت في الغرب في حقب سابقة. حكاية الملكة زفيرة (بن ديمراد) المتزوجة من الملك سليم (طاهر زاوي). نتعرف إليه في مطلع الفيلم وهو يشترك مع شقيقه أروج (دالي بن صالح) في الدفاع عن البلاد من الاحتلال الإسباني. لكن ما إن ينتهي وطيس المعارك حتى يوجه أروج اهتمامه لتنفيذ خطة الاستيلاء على المملكة ولو عبر قتل أخيه. وهذا ما يقوم به فعلاً قبل أن يلتفت إلى زوجة الملك ويبثها رغبته العاطفية التي تصدها. لكن أروج لا يتراجع فهو لكي يكمل سيطرته على الحكم لابد له من الزواج من الملكة.
تقاوم الملكة رغباته وتتعاون مع شقيقتها وأنصارها لدحره ورجاله. عندما يكتشف أمر هذا التعاون ويتم قتل المشتركين (بمن فيهم الشقيقة) تتظاهر الملكة بقبول الزواج لكن نيتها شيء آخر.
إدارة ممتازة لجميع الممثلين، لكن عديلة بن ديمراد توفر أداء أكثر من ممتاز. تهب الشخصية وجهة النظر والعاطفة وتبذل في سبيل تجسيد ما يحدث لها على مراحل متتابعة عاطفياً ودرامياً.
إذ يبدأ الفيلم بهدير المعارك ينتهي بأروج يحمل زفيرة التي انتحرت بعدما فشلت في قتله. بين المشهدين دراما أخاذة في التفاصيل الثرية وفي تمثيل رائع من عديلة بن ديمراد وتصاميم ملابس وأدوات تاريخية وديكورات (رغم وضوح ضيق بعض أماكن التصوير الداخلية).
«الملكة الأخيرة» فيلم ملحمي الإنتاج والحكاية مقسم لفصول كان يمكن التغاضي عن عناوينها. جيد في مضمونه كذلك، لكن الحكاية تمر في بعض رحاب ما يعرف بـ «السوب أوبرا» شأنها في ذلك شأن أعمال أخرى من بينها فيلم شيخار كابور Elizabeth: The Golden Age.
«الملكة الأخيرة» فريد كذلك من نوعه بين الإنتاجات العربية التي لم تشهد أعمالاً من هذا النوع منذ أيام «الرسالة» و«عمر المختار» لمصطفى العقاد و«المسألة الكبرى» لمحمد شكري جميل و«القادسية» لصلاح أبوسيف، و«المصير» ليوسف شاهين، وجميعها من السبعينات والثمانينات.