22 أغسطس 2023

فيلم "أنا يوسف يا أبي".. فنان سينما يقابل فنان رسم في لوحات متواصلة

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

فيلم

من يستمع لصوت فيروز وهي تغني «بلادي وحبك يا موجعي»، يستمع كذلك إلى صوت حفيف خافت للقلم فوق لوحة يتم رسمها، في هذا الفيلم من إخراج محمد ملص، سوريا 2023.. نرى لوحات مرسومة تمتزج بالأصوات وبلقطة لبعض الورود التي تهتز كما لو كانت فرحة بأغنية فيروز وصوتها الآتي من أيام أجمل.

بعد هذه المقدمة تطرق يد بابا موصداً يفتحه الرسام يوسف عبدلكي. الطارق هو المخرج محمد ملص وفريق عمله الصغير. يسأل يوسف المخرج: «شو؟ بدكن تصوروا؟». يجيبه المخرج «بدنا نرسم بورتريه إلك». وحين يقول ملص نرسم يلوح بيده كما لو كان يرسم شيئاً في الهواء.

قرب النهاية، تشارك الكاميرا (لوائل عز الدين ويحيى عز الدين) الفنان عبدلكي في الرسم. نرى يد الرسام وهي تؤسس للوحة بطبشور من الفحم الأسود. يده تتحرك في كل الاتجاهات فوق رقعة صغيرة محددة وها هي الكاميرا تتحرك مع حركة اليد. فيلم محمد ملص التسجيلي «أنا يوسف يا أبي» هو فيلم عن رسام ورسم أمام كاميرا تخلق لوحات بدورها.

فيلم

هذا هو الفيلم الأول للمخرج ملص بعد غياب طويل. هناك فارق عشر سنوات ما بين «سلم إلى دمشق» الذي شهد عروضاً في مهرجانات دبي وتورنتو ومونبلييه، وبين هذا الفيلم. هناك ظهور للمخرج في فيلم حميد بن عمره «تايم لايف» (2019) والعديد من أصوات الصمت قبل ذلك وبعده.

حين يدخل ملص منزل الفنان عبدلكي ومرسمه، يضع المخرج الكاميرا في أماكن مناسبة لتوظيف البيت القديم وأبوابه وفنائه وغرفه. في الواجهة الفنان السوري الذي ترك دمشق إلى باريس سنة 1973 وعاد إلى مدينته سنة 2007 وقبع فيها يرسم اللوحات التي تعني له التاريخ والحاضر والبشر.

يتحدث عبدلكي عن أبيه الذي سجن عدة مرات وعن نشأته ثم غربته الفرنسية. هذا بعض التاريخ الشخصي الذي لابد منه والذي يأتي مسترسلاً ومثيراً. لكن على النحو ذاته من الاسترسال وبكثير من الإدراك عن الفن والرسم والعلاقة بينه وبين الأشكال. عن اللوحات وما تحتويه وكيف تحتويه. وبعض أفضل ما يتحدث فيه هو الفارق بين المنظورين الشرقي (عربي وسواه) والغربي للفن. الأول جمالي والثاني علمي وكيف وجد هويته في الجمع بين الاثنين.

إذ يلقي الفيلم الضوء على ذلك الفنان ومفهومه للفن وذكرياته عن بعض حياته وعن أبيه، يعالج المخرج كل ذلك في اقتصاد مريح. لا استعراض للذات ولا الكاميرا تتجاوز حدودها ولا يتدخل التوليف للتأثير على الإيقاع المختار للفيلم. على ذلك، تبرع كل تلك العناصر في تشييد عمل إبداعي متآلف: الموضوع هو الفن والهدف هو الفن أيضاً.