على صعوبة تحويل روايات أرنست همنغواي إلى أفلام، فإن «وداعاً للسلاح»، الفيلم الذي أنجزه المخرج فرانك بورزاج كواحد من ثلاثة أفلام حققها في العام نفسه (الآخران هما «بعد غد» After Tomorrow و«أميركا الشابة» Young America) هو أكثر الاقتباسات التي تم إنتاجها عن أعمال همنغواي، وما زال أشهر الأفلام التي تم اقتباسها عن رواية «وداعاً للسلاح» التي وضعها همنغواي سنة 1929 (من بين خمسة أعمال تم تحقيقها في سنوات متعددة آخرها كمسلسل تلفزيوني تم بثه في العام الماضي).
فيلم فرانك بورزاج أكثرها إجادة وتعبيراً عن العاطفة التي يكتنزها الكتاب كقصة حب على خلفية الحرب العالمية الأولى بين ممرضة في مستشفى كاثوليكي في إيطاليا وبين مجند أميركي رافض للحرب وهارب من الخدمة العسكرية. بذلك هو فيلم معاد للحرب (شأن عدد لا بأس به من الأفلام التي أنتجت ما بين الحربين الأولى والثانية). لكن الفيلم ولو أنه جاد في موقفه، إلا أنه ليس جيداً في معالجته بالقدر الذي عرف به بورزاج لاحقاً.
الفيلم عاطفي ميلودراماتيكي وما قام به المخرج هو إغراقه بكم من الدموع التي تسيل على وجنتي الممثلة هيلين هايز والتي من المرجح سالت من عيون بعض المشاهدات حينها.
يبدأ الفيلم بالطبيب (أدولف مانجيو) وبطل الفيلم فردريك (غاري كوبر) يلاحظان الممرضة كاثرين في وقت واحد، لكن الثاني هو من يفوز بها ما يثير غيرة الطبيب الذي يعمل على فصلهما. لاحقاً، يصاب فردريك وينقل إلى مستشفى عسكري لكنه يعود إلى من أحب ويتزوج منها. لاحقاً أيضاً، وبعدما تم إبعاده مجدداً بطلب من الطبيب، تنقل كاثرين حاملاً إلى مستشفى سويسري آخر، ولن تستطيع أي قوة منع فردريك من الوصول إليها قبل رحيلها عن هذا العالم لكي يبثها حبه.
نال الفيلم أوسكارين لكن ليس من بينهما أوسكار أفضل فيلم أو مخرج أو ممثل. الأولى أوسكار أفضل مدير تصوير (تشارلز لانغ) والثانية أوسكار أفضل صوت (فرنكلين هانسن). على كل ذلك، شغل بورزاج مخرجاً وجهده في إدارة ممثليه ومفهومه لإدارة الفيلم فنيا كله يكفل عملاً يرتفع عن مستوى المادة ذاتها.
لكن هذا النجاح لم يأت بسهولة. لجانب أن الفيلم ميلودراما عاطفية تثير إعجاب البعض دون البعض الآخر، تم تحقيق الفيلم من بعد عدد من المشاكل التي أحيطت به. في الأساس قام المخرج روبرت ماموليان بإخراج الرواية كمسرحية وهذا ما دفع شركة الإنتاج (باراماونت) لترشيحه لإخراج الفيلم قبل أن يفوز بالمهمة المخرج بورزاج الذي عرف حينها بحسن إخراجه الأفلام العاطفية.
بعد انتهاء التصوير عارض همنغواي النهاية السعيدة التي تم تصويرها ما استدعى تغييرها إلى النهاية التي تشبه الرواية الفعلية (موت البطلة). باراماونت لم تستطع المخاطرة وعرض فيلم قد يهاجمه المؤلف.
إلى جانب ذلك، عارضت الرقابة الأميركية آنذاك (وكانت رقابة تعني بما يمكن أو لا يمكن تصويره من زوايا أخلاقية) بعض المشاهد لكن باراماونت عارضت القيام بتغييرات أخرى (بالإضافة إلى تغيير النهاية) وقامت بالطلب من الرقابة إعادة مشاهدته. هذه المرة وافقت الرقابة على عرض الفيلم من دون حذف..