في لحظة غضب عارم وتصرف طائش غير مدروس، كاد شاب أن يُنهي حياة صديقه المُقرب بعد أن أقدم على توجيه طعنة له اخترقت عضلات العنق، تلتها ضربة على رأسه بواسطة أداة حادة أدت إلى جرحه، ولولا قضاء الله وقدره لأصبح الضحية في عداد الموتى.
تفاصيل القضية، التي اطلعت «كل الأسرة» عليها من حكم محكمة الجنايات في دبي، تكشف كيف أن لحظة غضب في موقف «بسيط جداً» كان من الممكن أن يضع الصديقين على مُفترق طرق لا عودة منه، فالأول كان سيقضي عمره في السجن، وأما الثاني ففي «الحياة الآخرة»:
وفقاً لتفاصيل القضية، فإن الصديقين يعيشان رفقة بعضهما البعض ومجموعة أخرى من الشباب في سكن خاص بهم بنظام المشاركة، حيث يُديرون أمور مسكنهم من التنظيف وإعداد الطعام من خلال جدول يومي مُنتظم يوزع المهام بينهم.
يوم الإجازة
في يوم الواقعة والذي صادف يوم السبت، يوم الإجازة الرسمية، كان على «المجني عليه» مهام إعداد الطعام لجميع من في السكن، وبالفعل استيقظ باكراً، وعمل على إنهاء وجبة الإفطار لكافة الشباب، وباشروا في تناوله عدا صديقه الجاني الذي كان خارج مقر سكن.
في ذاك الوقت، كان الجاني قد خرج مُبكراً من مقر سكنه قبل الإفطار لإنهاء بعض الأعمال الخاصة، وحرص على العودة بسرعة من أجل سد جوعه، إلا أن المفاجأة التي كانت في انتظاره تمثلت في أن زملاء السكن التهموا كل الطعام، ولم يتبق له شيئاً.
استشاط الجاني غضباً من صديقه المجني عليه، وبدأ يصرخ بأعلى صوته لعدم وضع نصيبه من الطعام جانباً، يروي المجني عليه ما حدث بعدها، فيقول «تأخر في الحضور، وعند حضوره لم يجد طعام الإفطار، فاستشاط غضباً، وأخذ بالصراخ علي، وطلب مني أن أقوم بإحضار البيض لكي يطبخه ويُعده».
وتابع «بشكل مُفاجئ تناول بيده سكين الطبخ، وأقدم على طعني في منطقة العنق أسفل فكي، فبدأت الدماء تنزف مني بغزارة، ثم سقطت على الأرض، فواصل بالاعتداء علي».
وأضاف «تناول قطعة حديدية وضرب بها مؤخرة رأسي فجرحها، فبدأت بالصراخ حتى تدخل زملاؤنا في السكن، وأبعدوه عني، ثم أنزلوني إلى أسفل البناية، واتصلوا بسيارة الإسعاف والشرطة، وتم نقلي إلى المستشفى لتلقي العلاج».
دماء على الأرض
وصلت الشرطة إلى المكان، ولاحظوا أن دماء المجني عليه كانت على أرض مقر السكن وفي الممر المؤدي إلى الخارج، بينما تبين أن الصديق الجاني هرب من المكان بعدما تسبب به في لحظة غضبه.
على الفور، تمكنت الشرطة من خلال البحث والتحري عن الجاني من إلقاء القبض عليه في نفس اليوم، حيث قال في التحقيقات «إن المجني عليه صديقه، ويقطن معه بذات الشقة، ولا توجد خلافات سابقة أو لاحقة جمعته به».
وبين الجاني أنه «اعتدى على المجني عليه بواسطة سكين صغير الحجم يستخدم لأغراض تقطيع الخضراوات والفواكه، التقطه من غرفته الخاصة بالسكن لأنه كان في حالة غضب منه بعد أن قام المجني عليه بسبه بعبارة نابية بسبب الخلاف على الطعام».
وأشار إلى أنه «سدد للمجني عليه ضربة على رقبته لمرة واحدة فقط بقوة وصفها بالمتوسطة، وليست لغرض القتل وإنما جاءت نتيجة الغضب العارم».
لائحة اتهام
بناءً على ذلك، رفعت النيابة العامة لائحة اتهام بحق الصديق الجاني إلى الهيئة القضائية في محكمة الجنايات بتهمة «الاعتداء على سلامة جسم المجني عليه»، مُطالبة بمعاقبته عملاً بالمادة 390 البند أولاً وثانياً من المرسوم بقانون اتحادي رقم 13 لسنة 2021 بإصدار قانون الجرائم والعقوبات، والتي تنص على عقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنة والغرامة التي لا تزيد على عشرة آلاف درهم.
كما وطلبت النيابة العامة بتطبيق المادة 126 البند أولاً من المرسوم بقانون الجرائم والعقوبات، والتي تنص «إذا حكم على أجنبي في جناية بعقوبة مُقيدة للحرية وجب الحكم بإبعاده عن الدولة».
تنازل الصديق
مَثل الصديق المتهم، أمام الهيئة القضائية في محكمة الجنايات، مُقراً بالجريمة التي ارتكبها، مُدافعاً عن نفسه بأنه «كان في حالة من الإثارة و الاستفزاز ما أدى إلى قيامه بما حدث من فعل»، مُقدماً في الوقت ذاته تنازلاً من المجني عليه عن القضية، إلا أن المحكمة لم تأخذ به بسبب عدم سداد الجاني لتكاليف علاج المجني عليه بعد أن وعد بذلك وأخلف.
المحكمة: لا عذر
بعد نظر القضية، ورأت المحكمة في مضمون حكمها «أن دفاع المتهم عن نفسه بأنه كان في حالة من الإثارة أو الاستفزاز من المجني عليه ليقدم على فعلته بطعنه، لا يُعد في صحيح القانون عذراً معفياً من العقاب، ولا ترى المحكمة مُبرراً له»، مبينةً أنها «تلتفت عن تبريرات المتهم، فالإثارة والاستفزاز لا ينفيان وجود نية من قبل المتهم للاعتداء على سلامة المجني عليه».
ورغم ذلك، قررت المحكمة أخذ الصديق الجاني بقسط من الرأفة والرحمة وعدم إيقاع عقوبة الحبس بحقه أو إبعاده عن الدولة نتيجة اعتدائه على سلامة المجني عليه وذلك في حدود ما يسمح به القانون، لذلك قضت بالاكتفاء بتغريمه مبلغ 5 آلاف درهم.