ليس خفياً أن تاريخ المخرج الأمريكي جون فورد (1894-1972) كان حافلاً بالأفلام الجيدة والمهمة: «الرجل الهادئ» (The Quiet Man) و«أعناب الغضب» (The Grapes of Fear) و«الرجل الذي قتل ليبرتي ڤالانس» (The Man Who Shot Liberty Valance) وأكثر من 100 فيلم سواها.
Drums Along the Mohawk
لكنه ليس خفياً كذلك أن أفلامه الوسترن، التي اشتهر بها أكثر من غيرها، حملت الكثير من التجني والمعاداة للمواطنين الأمريكيين الأصليين (الهنود الحمر). أفلام مثل «طبول على طول موهوك» (Drums Along the Mohawk) و«حبيبتي كلمنتين» (My Darling Clementine) و-على الأخص- «الباحثون» (The Searchers)، حيث قامت على تصوير الهنود الحمر كمحاربين غزاة يعادون الرجل الأبيض لذاته ويهاجمون القافلات ويقتلون ويسلبون ويهزمون في النهاية على يدي بطله المفضل جون واين ورجاله من الجنود أو المستوطنين.
كل هذه الأفلام وسواها وردت في الأربعينات والخمسينات. لكن في سنة 1960 حقق فيلماً لافتاً بعنوان «سيرجنت رتدلدج» منح دور البطولة فيه للممثل الأسود وودي سترود المتهم، في الفيلم، باغتصاب امرأة بيضاء. واكب المخرج هناك المحاكمة مع مشاهد استعادية وخرج بالحكم الصحيح الذي يبرأ فيه المجند من الجريمة.
المخرج جون فورد
هل كان هذا الفيلم نقطة تحول في المبدأ بالنسبة لجون فورد؟ إلى حد كبير نعم. كذلك الحال مع فيلمه اللاحق Cheyenne Autumn «خريف الشايين» (1964)، بطولة رتشرد ويدمارك، كارول بايكر، آرثر كندي، الذي سرد فيه بعض تاريخ صراع البيض والحمر على الأرض الأمريكية. هذه المرة من وجهة نظر قبيلة الشايين ناقلا مرحلة من مراحل المأساة التي عاشتها القبيلة عندما قررت العودة إلى أراضيها الأصلية على الرغم من مشاق الطريق ووعورته والجوع الذي ألم بالنساء والأطفال والرجال على حد سواء.
اكتفى فورد باقتباس الحدث العريض وطرزه بحكاية. بالتالي، الحدث الحقيقي، بمآسيه وأبعاده ليس مجسداً بالكامل. على ذلك، هو فيلم يختار فيه فورد الاعتذار عن أفلامه السابقة التي تعاملت مع الهنود الحمر من زاوية التعاطف مع تلك الشخصيات الأيرلندية التي تشرب كثيراً وترقص كثيراً وتقتل كثيراً أيضاً.
على ذلك أشياء تجعل طروحات فورد غير سهلة، لا يمكن القبول بها كما هي. على سبيل المثال، في منتصف الفيلم هناك فصل لا علاقة له مطلق بالأحداث يحمل نكهة كوميدية يبدو أن المخرج أراده تخفيفاً من عبء الرسالة أو لاعتقاده بأن جمهوره تعود على تقديم شخصيات ومواقف كوميدية في أفلامه السابقة. مهما كان الأمر- ومن زاوية سينمائية بحتة- لا يندمج الفصل مع ما تقدم أو ما تلا من مشاهد.
الملاحظة المهمة الأخرى هي أنه لم يأت بجون واين (المعروف بموقفه اليميني التام) لكي يقود جنود الحامية الأمريكية التي تتعقب الشايين لإعادتهم بالقوة. جون واين مثل جون فورد في الفترة التي حمل فيها فورد على الهنود الحمر. هنا منح القيادة لرتشارد ودمارك الذي لم يكن شريكاً في تجسيدات جون فورد لصورة الأمريكي الأبيض، وذلك لكي يبرهن المخرج عن طلاقه من ماضيه. على الرغم من ذلك لا ينجلي الاعتذار عن أسف فعلي لكثرة ما أحيط به من تمويه ومشاهد نمطية هنا وهناك.
لم يصف فورد نفسه باليميني، لكن أفلامه السابقة لـ «خريف الشايين» هي التي وصفته كذلك. لم يكن يسارياً، لكن حملة مكارثي ارتابت به بعد تحقيق «أعناب الغضب» سنة 1940. بالنسبة إليه لم يكن يمينياً ولا يسارياً حتى ولو قالت أفلامه غير ذلك.