تناول فطراً ومات.. وفاة المنوم المغناطيسي الدكتور سولييه تثير الشبهات كما كانت حياته
طبيب يمارس العلاج البديل والتنويم المغناطيسي، أم دجال لطيف ذو شخصية ساحرة؟.. ما زال الفرنسيون يتساءلون عن حقيقة الدكتور سولييه الذي مات في منزل حلاق متقاعد أثناء سهرة غريبة.
في 28 يونيو الماضي، في الثامنة مساء، اجتاز الدكتور أوليفييه سولييه البوابة الخضراء لمبنى صغير يقع في زقاق مرصوف في جنوب باريس. إنه أحد رموز المؤامرة المناهضة للقاحات، وقف بشراسة ضد التطعيم الجماعي ضد «الكوفيد» ودعا إلى علاجات طبيعية وروحية. كان في ذلك المساء مدعواً إلى منزل صديق إيطالي، وهو مصفف شعر سابق مشهور في عالم الترفيه وعروض الأزياء. رجل يبلغ من العمر 75 عاماً يضع مقص المهنة بعيداً ويمارس التأثير في الأشخاص عبر اللاوعي. أي أنه يتسلل إلى دواخلهم ويستخرج العناصر الضارة. ولو بحثنا عنه في الموسوعة الإلكترونية لعرفنا أن هذا الحلاق السابق بات يكرس نفسه بالكامل لأساليب العلاج النفسي وهو شغوف بقراءة الطالع من خلال شدة ورق اللعب المسماة «تارو».
طقوس وموت تثير الريبة والشك
يقوم هذا المعالج الزائف، الذي يرسم بطاقات اللعب بنفسه، بتنظيم ندوات حول موضوعات غريبة، مثل «رقصة التارو والنشوة»، أو «تنفس التارو والكاكاو». ويقول عنه جيرانه إنه لطيف جداً لكنه بارد، هذا عدا عن أنه يشرف على مراسم الطرق «الشامانية»، أي تلك الممارسات المرتبطة بالطبيعة ومودوداتها. إنه يسعى للبحث عن «حالة الوعي المعدل»، كما يقول خبراء هذه الروحانية الشعبية، وهو قد عمق معرفته بهذه الطقوس في أمريكا الجنوبية.
في قائمة الطعام، ذلك المساء، مع الدكتور سولييه، كانت هناك جلسة ترتكز بشكل خاص على تعاطي نوع من الفطر المسبب للهلوسة، وفقاً لتحقيقات مكتب المدعي العام في باريس. لكن العشاء سلك درباً خاطئاً. ومع حلول منتصف الليل شعر الضيف البالغ من العمر 67 عاماً بوعكة مفاجئة. واتصل صاحب البيت بخدمات الطوارئ التي لم تتمكن من إنقاذ الضحية من السكتة القلبية التنفسية. وأمام هذه الوفاة المشبوهة، تم فتح تحقيق في القتل غير العمد والممارسة غير القانونية للطب. وتولت القضية وحدة مكافحة المخدرات التابعة للشرطة القضائية في باريس.
في الصباح الباكر تم احتجاز «الشامان» المعاصر الذي لم تكن الشرطة تعرفه من قبل، ثم جرى إطلاق سراحه في مساء اليوم التالي. ووفقاً للمعلومات المتسربة من المحققين فإنهم عثروا على مادة DMT، وهي مادة مهلوسة قوية قادرة، من بين أمور أخرى، على محاكاة تجربة الاقتراب من الموت وتأثيراتها على العقل. وقد وجدت تلك المادة في قارورة داخل بيت الحلاق السابق. إن هذه المادة محظورة في فرنسا وهي العنصر النشط الرئيسي في شراب «آياهواسكا»، وهو منقوع مصنوع من نباتات معينة ويستخدم لدى قبائل الأمازون.
أثارت وفاة الدكتور سولييه ضجة في أوساط الرأي العام، واحتلت عناوين نشرات الأخبار، وتحولت إلى حديث للمجالس. فهو كان مشهوراً بتصريحاته النارية ضد اللقاحات. لكنه مات بنباتات من النوع التي كان يؤمن بها. ويحذر البروفيسور ميشيل ليجويو، الطبيب النفسي المتخصص في علاج الإدمان، من أن كل هذه المنتجات التي تعطل الوعي والإدراك تؤدي إلى خطر مميت. وإذا كان هناك من يستخدمها بحثاً عن الصحة والشباب فإنه يعرض حياته للخطر.
رحلة طوعية بلا عودة
كيف تحولت هذه «الرحلة الداخلية» إلى تذكرة ذهاب فقط إلى الموت، بدون عودة؟ وفقاً للعناصر الأولى من التحقيق، كان من الممكن أن يشعر أوليفييه سولييه بتوعك فور استنشاق مادة DMT، بالإضافة إلى تناوله «الفطر». لكن يبدو أن التحقيقات تتخبط، واليقين الوحيد هو أن تجربة الطرق «الشامانية» بين أربعة جدران في العاصمة كانت قاتلة بالنسبة له. أما صديقه «الشامان» فاكتفى بالقول إن وفاة سولييه قدمت دعاية سيئة للمهنة!
لم يستطع قلب الطبيب مقاومة الفراديس المصطنعة التي كان «الشامان» يعد بها زبائنه. ويجب القول إن هذا العضو الحيوي، الذي هو القلب، كان هشاً جداً فيه. يقول أحد المعالجين النفسيين الذين قادوا معه مجموعات العلاج: «كان يعاني مشاكل في القلب وعمل كثيراً لعقود من الزمن». وفي مقطع فيديو نشر على الإنترنت عام 2018، قال سولييه إنه كان يعاني في الماضي عدم انتظام ضربات القلب الكامل بسبب الرجفان الأذيني، إلى أن استشار طبيباً متخصصاً. وأضاف قائلاً: «لقد أعطاني بعض العلاجات وتوقفت المشاكل تماماً». لكن من الواضح أن الخفقان لم يختف تماماً. «كان قلبه هو نقطة ضعفه لأنه أستوعب الكثير من المشاعر»، هكذا وصفه أحد أصدقائه.
طب بديل أم دجل؟
لقد أراد أوليفييه سولييه دائماً أن يؤمن بفوائد الطب البديل. بدأ حياته يمارس الطب العام بعد أن تخرج في جامعة مدينة ليل عام 1985. عمل أيضاً معالجاً تجانسياً وأخصائياً في الوخز بالإبر وفي التنويم المغناطيسي. كما كان ينظم ندوات حول «معنى الرغبات الغذائية»... كان طبيب متعدد البطاقات، يدير منذ ثلاثة عقود المركز الوطني لدعم العائلات ضد الطائفية، وذلك في بلدة «مارك أون بارول»، شمال فرنسا. لكن كثيرين لم يرتاحوا له ولأساليبه. ومن هؤلاء شارلين ديلبورت، رئيسة جمعية المصلحة العامة في مدينة ليل، كان رأيها أن له تفكيراً أقرب إلى السحر والدجل وأن معتقداته أقرب إلى الجنون. مع هذا فقد اتسمت شخصيته بالجاذبية وكان مخلصاً لطريقة هامر في العلاج، وهي طريقة حملت اسم طبيب ألماني كان يعتقد أن مصدر كل مرض هو صدمة مفاجئة وأن العلاج التقليدي يزيد الطين بلة.
قدم سولييه نفسه باعتباره من أنصار ما يسمى بـ «طب المعنى» وكان مقتنعاً بأن للأمراض معاني خفية وأنها توصل رسائل. لكن أحد زملائه يقول إنه كان دائماً على الهامش لذلك ادعى أنه قادر على علاج مرض التصلب المتعدد من خلال نوع من العلاج النفسي، وهو مرض غير قابل للشفاء بالطرق التقليدية حتى الآن.
يتذكر أحد مرضاه أنه عانى مرضاً خطيراً وذهب لاستشارة الدكتور سولييه مرة واحدة فقط، بدافع الفضول. داميان، الذي يعاني مرضاً مزمناً خطيراً، استشاره مرة واحدة فقط «بدافع الفضول»، وسرعان ما شخص الطبيب الحالة بأنها تتعلق بمشكلة علم النفس الداخلي، وانتقل بسرعة كبيرة إلى الاعتبارات المالية وتكاليف العلاج، فقد عرض عليه إجراء فحص ذاتي بمبلغ 2000 يورو، وهو مبلغ لا يتم تعويضه من قبل الضمان الاجتماعي. لقد كان واثقاً جداً من نفسه وواضحاً للغاية، لكنه فشل في إقناع المريض بدفع المبلغ. فقد شعر هذا الأخير بأنه أمام مخادع كبير.
بسبب الانتهاكات المهنية المرتبطة بالمصالح المالية، تمت معاقبة أوليفييه سولييه ثلاث مرات، في 2001 و2006 و2017، بأمر من الأطباء، ونال عدة أشهر من الإيقاف. وقد تعرض لانتقادات مختلفة، منها ما كان سببه بيع أقراص الفيديو الرقمية الخاصة به لمرضاه. تقول شارلين ديلبورت، الناشطة التي تحارب التجاوزات الطائفية، «كان المال مهماً جداً بالنسبة له. يحصل على المال من دورات التدريب والمؤتمرات في فرنسا والخارج، ومن الكتب ومقاطع الفيديو حسب الطلب، ومن الرحلات التمهيدية التي يقوم بها إلى بيرو أو مصر. وكلها نشاطات عززت موارده».
ماذا قال عن «كورونا»؟
ثم جاءت أزمة «كوفيد-19» لتترك بالغ الأثر في عموم الناس. وكان الدكتور سولييه أحد أعمدة المجلس العلمي المستقل (CSI)، وهو عبارة عن منصة للعلماء المناهضين للقاحات. لكنه سرعان ما طرد من المجلس بسبب خلافات داخلية. لقد كان أيضاً أحد قادة ReinfoCovid، وهي مجموعة شككت في فيروس «كورونا» ونشرت أخبارا طبية مزيفة. وانتمى كذلك إلى نقابة Liberté Santé التي تدافع عن الممرضين والممرضات الموقوفين عن العمل لرفضهم تناول اللقاح.
لقد بشر بنظرياته المجنونة على موجات الأثير لراديو «كورتوازي»، وهي إذاعة مصنفة على أنها يمينية متطرفة، أو على موقع France Soir، وهو موقع يؤمن بنظرية المؤامرة، أو على تويتر. ولم يكتف بالتأكيد على أن كوفيد كان «تمثيلية لحرماننا من حرياتنا» لكنه مضى أبعد من ذلك ونفى ظاهرة الاحتباس الحراري ووصفها بأنها عملية احتيال لا غير، وهاجم من سماهم «حكومة المتحرشين بالأطفال» وأطلق على الرئيس الأوكراني زيلينسكي لقب «الوغد الجميل».
وبسبب تعليقاته ضد التطعيم تم استدعاؤه بأمر من نقابة الأطباء وكان من المقرر أن يقضي الأشهر القليلة المقبلة في إجازة تأديبية. لكنه أخذ المبادرة وتوقف عن مزاولة المهنة في نفس الوقت الذي صدر فيه مرسوم التطعيم الإلزامي للعاملين في مجال الصحة، عام 2021. وإلى جانب معارضيه كان له أنصاره، ومن هؤلاء سيدة من مرضاه أكدت أنه يتمتع بسمعة جيدة للغاية، وقد ساعد الكثير من الناس في منطقتها، لهذا فإنها حزينة لوفاته بسبب وقوعه بين يدي «شامان» دجال.
لا تزال اللوحة النحاسية لعيادة الدكتور أوليفييه سولييه معلقة على جدار منخفض عند مدخل مسكن في «مارك أون بارول»، وهي البلدة الراقية التي كانت معقلاً له. إن عيادته ليست بعيدة عن مضمار السباق الذي استضاف أكبر ميدان تطعيم في المنطقة في ذروة الوباء، ولما مات نعته الجمعية الوطنية لمناهضي التطعيم وجاء في عنوان النعي: «رحيل رفيق المقاومة». وقيلت في رثائه كلمات وصفته بالرجل المرح، الإنساني، المحب لمرضاه، العاطفي والحر. وكالعادة ظهرت أصوات تزعم بأن موته كان مدبراً، وطالب بعضهم بتشريح مضاد للجثة لأنهم لم يصدقوا حكاية الأزمة القلبية.