دائماً وأبداً عندما نسمع عن أخبار سقوط أي نصاب يتبادر للذهن على الفور فكرة الزبون الطماع، تتلاقى عادة أطماع النصاب مع طموحات الزبون الذي يرغب في الثراء السريع بدون تعب أو مجهود.. خطة ذكية تم رسمها بإحكام حاك خيوطها ببراعة النصاب الهارب، ألقى بشباكه حول الضحايا ونجح في الاستيلاء على ما يقرب من 50 مليون جنيه ثم اختفى عن الأنظار وكأنه شبح.
متمرد وطماع.. بانتظار «الجائزة»
كان مخادعاً غريباً، ذكياً وطموحاً يحمل وجهاً بشوشاً، حسن المظهر، ورغم أنه ولد في كنف أسرة متوسطة الحال، إلا أنه كان دائماً يتطلع للأفضل بأي شكل وبأي طريقة، لم يكن مقتنعاً بهذه العيشة، أصبح دائم التمرد على حياته، لكن لم يكن لديه أي شيء يستطيع القيام سوى الانتظار حتى تأتي اللحظة المناسبة. كانت طموحاته لا سقف ولا حدود لها، أثناء فترة دراسته كان يعمل في إحدى شركات السيارات، درس السوق جيداً، كان على علم بالكثير من الأسرار في هذا المجال المربح.
كان منظماً جداً، لديه صبر كبير في انتظار الجائزة الكبرى التي ستقلب حياته رأساً على عقب. خلال فترة دراسته كان كل تفكيره ينصب على تكوين علاقات قوية وكسب صداقات عديدة، لم يكن أكثر المتشائمين يظن أن هذا الشاب يخفي وراءه نصاباً دولياً وعالمياً بدرجة ممتاز، اعتمد على رسم خطة طويلة الأجل حتى يضرب ضربته الكبرى. كان ينتظر تخرجه في الجامعة حتى يغير الواقع الذي نشأ فيه وفرض عليه، وبحكم طبيعة عمله تكونت لديه صداقات عديدة مع الكثير من العملاء وأصحاب الشركات والزبائن، استغل عقله وذكاءه في نصب فخ لضحاياه بطرق غريبة، تكررت بعدها العمليات المختلفة، ما أدى إلى سقوط المزيد من الضحايا بسبب الجشع والطمع.
خطة طويلة الأمد
بدأت خطة الشاب النصاب من خلال استغلال عمله وعلمه بكل كبيرة وصغيرة في مجال تجارة السيارات وقطع الغيار، استخدم أسوأ ما في عمله لتحقيق مكاسب شخصية، مارس الاحتيال والسمسرة، ربما دفعته المكاسب غير المشروعة المتكررة إلى تنمية أعماله وتغيير استراتيجيته للفوز بالجائزة الكبرى. كانت أدوات النصب جاهزة.. سيارة فاخرة، ملابس غالية، رائحة العطر تفوح منه أينما حل، كان مظهره لا يدل أبداً على أنه مجرد موظف في شركة كبيرة لتجارة السيارات. البعض كان يتساءل عن سبب التغيير الكبير في حياته، وكانت الإجابة عن هذه التساؤلات جزءاً من خطة الخداع الكبرى، حتى نجح بطريقة أو بأخرى في استمالة بعض العملاء الراغبين في الحصول على مكاسب كبيرة بعدما أقنعهم باستثمار الأموال في تجارة قطع غيار السيارات، مشيراً إلى أن هذه التجارة هي «وش السعد» عليه فيما وصل له من نجاحات حتى استقل بتجارته بمفرده.
بدأت القصة ببضعة زبائن عرض عليهم التاجر توظيف أموالهم في تجارة قطع الغيار مقابل مبالغ مالية من الأرباح تفوق العائد من البنوك، تهللت أساريرهم، لم يستغرق الأمر وقتاً طويلاً في التفكير حتى قام الزبائن بمنح التاجر مئات الألاف من الجنيهات، وقام بدوره التاجر على أكمل وجه لعدة أشهر في صرف أرباح خيالية من نتاج هذه التجارة الوهمية.
أرباح زائفة
لم تكن الأرباح التي يتم صرفها في حقيقة الأمر هي نتاج حقيقي لتجارة قطع غيار السيارات، وإنما كانت هذه الأرباح بمثابة الطعم الذي ألقى به الصياد الماهر في طريق ضحاياه بعدما ظن الزبائن أنهم بالفعل يحققون أرباح طيبة والأمور تسير على أفضل ما يرام. ويوما بعد الآخر أصبح أعداد العملاء «الضحايا» في زيادة ونجح التاجر النصاب في جمع مبلغ مالي ضخم يقدر، كانت الأمور كلها تسير على ما يرام ولم يكن هذا المبلغ سوى البداية فقط، حيث كانت خطط النصاب الأنيق هي زيادة المبلغ ليصل إلى الملايين وهو ما تحقق له بالفعل حتى وصل حصيلة ما قام بجمعه وفقاً لما تم حصره بعد ذلك أكثر من 50 مليون جنيه مصري.
شبح مطارد
كان كل شيء يسير بعناية شديدة وفقاً لخطة محكمة، وكأننا في مشهد من فيلم سينمائي شديد الحبكة الدرامية. قام بعض الزبائن بالاتصال بالتاجر الكبير فوجدوا أن هاتفه مغلقاً، لم يكن الأمر مقلقاً في البداية لكن بعد مرور بضعة ساعات بدت الأمور تثير الريبة والشك، من غير المعتاد أن يغلق التاجر الكبير هاتفه كل هذه الفترة. أما المفاجأة الكبرى المؤلمة، كانت عندما ذهب له البعض مقر إقامته ولم يجدوا أي شيء، ومن ثم بدأت بعض الحقائق والمصائب تتضح تباعاً.
تبين أن المقر الذي كان يلتقي فيه العملاء ما هو إلا مكان مستأجر انقطعت صلة التاجر به فور فسخ عقد الإيجار من جانبه دون أي بوادر، حاول الزبائن الوصول إلى شريكهم التاجر النصاب لكن باءت كل محاولاتهم بالفشل، ما دفعهم إلى إبلاغ رجال مباحث شرطة العاصمة. وبعد عمل التحريات اللازمة تبين أن المتهم غادر البلاد منذ يوم كامل وأصبح الوصول إليه ضرباً من المستحيلات بعدما تبخر واختفى عن الأنظار بعد هروبه بكافة الأموال التي تحصل عليها من الزبائن، واستولى على الملايين من أموال الضحايا وفر هارباً قبل أن يشعر أي شخص بانحرافه.
تم تحرير محضر بتفاصيل الواقعة وإبلاغ رجال الأمن في مختلف المطارات بمواصفات النصاب الهارب، كما تم وضع اسمه على قوائم ترقب الوصول لكن حتى الآن مازال المتهم حراً طليقاً يتنفس عبير الحرية ويستمتع بأموال ضحاياه.
لا يمكن القول إن ذكاءه خانه، وفقاً لوجه نظره التي اقتنع بها، هو حتى كتابة هذه السطور لا يزال حراً طليقاً مطارداً من العدالة، لكن في وجهة نظره هذا هو النجاح الذي كان يصبو إليه. لكن الأيام القادمة ماذا تخبئ له؟.. لا أحد يعلم، تفاصيل كثيرة ومثيرة ربما تكشف عنها الأيام المقبلة.
* القاهرة: كريم سليمان