28 سبتمبر 2023

محمد رُضا يكتب: "توب تن" زيمبابوي…

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

محمد رُضا يكتب:

ما زالت محطات التلفزيون تتنافس فيما بينها على تقديم فقرة الـ «توب تن» في الولايات المتحدة. فيلم سلفستر ستالون The Expendables 4 حط في المركز الثاني وفيلم The Nun احتل المرتبة الأولى هذا الأسبوع... إلى آخر كلام يكرر نفسه لا محالة وإن تغيرت عناوين الأفلام.

هناك تقديم واحد لهذه الفقرة من بين كل عشرة يستحق الاهتمام، الباقي يمر من الأذن اليمنى ويخرج من اليسرى. أتساءل: هل يتوقع الملقي أن يقوم المتلقي بشراء تذكرة سفر إلى نيويورك ليشاهد الفيلم الذي حط في المركز الأول مثلاً؟ هل المتلقي هو مرتبط بشركة توزيع أو هل هو مول الفيلم أو شارك بتمثيله؟ هل سلفستر ستالون صديق له؟ هل السباق بين الأفلام يعنيه فعلاً إذا ما كانت الأفلام ستصل إليه إن لم تكن فعلاً وصلت؟

المعنيون (موزعو الأفلام أساساً) يتابعون الـ«توب تن» حتى من قبل أن تنشر تفاصيلها على الملأ. لذلك وجدنا هنا أنه لا فائدة من عرضها كل أسبوع. على الرغم من ذلك، كنا نتوخى منح القراء فكرة عن كل فيلم ومحاولة تقييم أهميته.

ما الخطوة التالية لمثل هذه البرامج؟ هل سنتابع قريباً «توب تن» نيودلهي أو مدريد أو وارسو أو زيمبابوي؟ متى يدركون أن هذه الفقرة من أي برنامج لا تقدم كما تقدم حالياً؟ إن كان لابد فإن عليها ألا تعتمد الرغبة في إثارة الاهتمام، لأن أحداً- بصراحة- لا يهتم.

وعلى ذكر الـ «توب تن» كنت الأول بين النقاد العرب، ولا فخر، الذي أهتم بالـ «توب تن» حين بدأت الكتابة عن السينما وأنا ما زلت في الثانوية. تم وصف هذا النوع من المعلومات بأنه ليس مهماً والوصف كان صحيحاً عموماً لكن باستثناء أنه كان مثل نتائج مباريات كرة القدم. الجمهور يريد أن يعرف، تأثيره كان واضحاً حين لم يكن هناك مراجع متاحة على نحو لحظوي كما الحال الآن. طريقتي في تغطية هذا الجانب بدأت على النحو التالي:

ذات يوم، توجهت إلى شركة مترو-غولدوين-ماير في بيروت لكي أحصل على صور لبعض أفلامها الجديدة. في ذلك الحين، لم يكن هناك كمبيوتر خارج المؤسسات العلمية والعسكرية في الدول الكبرى والحصول على صور من فيلم ما يمر عبر طلبها من شركات التوزيع وتأتي على شكل صور فوتوغرافية إما على ورق مقوى أو بحجم A4 كان الوقت ظهراً والباب مغلقاً.

قررت العودة في اليوم التالي وبدأت الشروع في مغادرة المكان في الطابق الرابع من مبنى على أطراف شارع الحمرا. لكن ما استوقفني فجأة برميل قمامة موضوع عند باب الشركة، نظرت إلى المحتوى بفضول وشاهدت ورقة غير ممزقة تحمل نتائج الـ«توب تن» في بيروت موجودة فوق كم كبير من الأوراق والملفات المهملة.

حينها كانت إيرادات الأفلام المعروضة في صالات بيروت من أسرار شركات التوزيع وصالات السينما، لكنها ها هي الآن تقع بين يدي. فرحت بذلك وما هي إلا 24 ساعة وتم نشرها كما هي بالعناوين والأرقام غير القابلة للنقض.

في الأسبوع التالي، ذهبت إلى الشركة ذاتها لأطلب تلك الصور. كان الباب مفتوحاً وقابلني الشاب المسؤول قائلاً «كيف حصلت على الـ «توب تن» الذي نشرته قبل أيام؟». أجبته: «من زبالتكم في صندوق القمامة».

ضحك وقال: «سوف نبقي صندوق القمامة داخل المكتب حين نغادره». ترك مكتبه ليحضر الصور المطلوبة وحين عاد سألني: «هل تود الحصول على «توب تن» الصالات كل أسبوع؟»، قلت: «يا ريت». قال: «لا تبحث عنها في الزبالة بل تعال هنا واطلبها مني كل يوم اثنين على شرط ألا تقول لأحد من أين حصلت عليها».
وهكذا كان... ولسنوات عديدة إلى أن بضت الحرب الأهلية على الصالات ثم على المدينة وهربت منها شركات الأفلام.