أفلام عربية في المهرجانات العالمية بنجاح.. إثبات حضور أم عودة عصر ذهبي؟
الفيلم السعودي «بركة يقابل بركة»
تشهد السينما العربية نشاطاً ملحوظاً يتمدد باتجاه المهرجانات الدولية من تورنتو في كندا إلى سان سابستيان في إسبانيا مروراً بمهرجانات لندن ولوكارنو ونيويورك وروتردام ونانت، ناهيك عن المهرجانات العربية الرئيسية من قرطاج إلى القاهرة ومن مراكش إلى البحر الأحمر.
العدد المرتسم من الأفلام العربية التي عرضت على شاشات المهرجانات العربية والعالمية حتى الآن يزيد على خمسة عشر فيلماً توزعت بين «كان» و«فنيسيا» و«تورنتو» و«لوكارنو». وإذا ما تابعنا ما ستعرضه المهرجانات العربية منها من هذا الشهر (أكتوبر) وحتى نهاية العام الجاري، فإن العدد سيتجاوز الثلاثين بكل سهولة.
لهذا السبب، يجب عدم الاستهانة بالمرحلة الحالية التي تمر بها السينما العربية وتتميز بالقدرة على المناورة عالمياً والوصول إلى عروض مهرجانية وأحياناً تجارية في غير مكان حول العالم. المحرك الأول هو الطموح الذاتي للانضمام إلى جملة صانعي الأفلام الذين تركوا بصماتهم عبر نجاحات فردية. والثاني هو تفعيل الرغبة في نقل حكايات محلية تتعرض بالنقد (أو على الأقل بالعرض) لأوضاع اجتماعية مختلفة. ليس أن كل الأفلام العربية التي خرجت للعروض العالمية حملت نقداً، بل إن بعضها اكتفى بعرض أحداث وشخصيات في بلورة تلتزم بالقصة الواردة فقط.
الفيلم الأردني «إن شاء الله ولد»
ثقافات.. وصناديق دعم
المحطات الرئيسية التي يمكن للفيلم العربي استحواذ الاهتمام وتسجيل حضور عالمي أمام النقاد والجماهير هي كان وڤينيسيا وتورنتو. تتوسع الدائرة لتشمل لوكارنو وبرلين وروتردام ولندن وبضعة مهرجانات متخصصة بالفيلم غير الروائي مثل لايبزغ وFID و«ڤيزيون دو ريل» السويسري و«سينيما دو ريل» الفرنسي. لكن إذا ما حقق الفيلم نجاحاً مهماً في أحد تلك المهرجانات (كما فعل «جزائرهم» الذي خرج بعدة جوائز من المهرجانات التي عرض فيها) كان ذلك، غالباً، بداية شق طريق تصاعدي صوب أعمال أخرى وجوائز أكثر.
ومع خروج «أربع بنات» للتونسية كوثر بن هنية، و«كذب أبيض» للمغربية أسماء المدير، اللذين تمتعا بعروض مجزية في مهرجان «كان» هذا العام، يتبدى أن السينما العربية (أو بعضها على الأقل) يستفيد مما بناه سابقاً ويتحول إلى إثبات حضوره في المشهد العالمي حالياً.
على نحو مؤكد تمتعت سينما المغرب العربي (تونس، الجزائر، المغرب) بالعلاقات الثقافية والفنية والإنتاجية المبنية مع فرنسا ودول أوروبية أخرى. هذا ينطلي على السينما التونسية والمغربية أكثر من الجزائرية التي كانت أكثر نشاطاً في العقود السابقة مما هي عليه الآن.
السينما اللبنانية في حوض الشرق الأوسط تواصل بجهد ملحوظ توفير أعمال جيدة، شاهدنا منها في الأعوام القليلة السابقة «كوستا- براڤا» لمنية عقل، و«البحر أمامكم» لإيلي داغر، و«أخطبوط» لكريم قاسم، كذلك تفعل السينما الفلسطينية رغم الأوضاع و-عادة- بمساعدات صناديق الدعم في دول خليجية وأوروبية. وحقق الأردن وجوداً لا بأس به عبر الأفلام القليلة المنتجة هناك، آخرها فيلم إن شاء الله ولد» لأمجد الرشيد.
حتى وقت قريب، كانت تلك السينما المذكورة هي الوحيدة التي تطرق أبواب المهرجانات العالمية وتستوفي شروطها الفنية للاشتراك فيها. لكن الذي حدث في السنوات القليلة الماضية أن السينما السعودية انطلقت بدورها لتثبت حقها في الحضور العالمي. الاستقبال الحافل كان سبق الموجة الحالية عندما باشر كل من محمود صباغ وهيفاء منصور بعرض أفلامهما عالمياً.
كان الاستقبال حافلاً بـ «عمرة والزواج الثاني» و«بركة يقابل بركة» للصباغ و«وجدة» و«المرشحة المثالية» لهيفاء المنصور، ذلك لأن الوسطين الشعبي والإعلامي لم يتعودا مشاهدة أفلام سعودية من قبل. لكن لابد من ملاحظة أن حب الاستطلاع لم يفتر بعد عروض أفلام هذين السينمائيين، بل استمر مستقبلاً الجيل التالي لهما من المخرجين السعوديين.
فيلم «ناقة» لمشعل الجاسر
السينما السعودية.. شباب ومؤازرة
تبلور هذا التقدم المنجز خلال أعمال مهرجان تورنتو السينمائي الذي انتهى في الثامن من سبتمبر، حيث تم عرض ثلاثة أفلام سعودية جديدة اثنان منها («ناقة» لمشعل الجاسر و«مندوب» لعلي كلثوم) لسينمائيين سعوديين ومن إنتاج «تلفاز11» التي تكسب مواقع جديدة متوالية، والثالث هو إنتاج سعودي من إخراج المصري أبو بكر شوقي بعنوان «هجان».
ليس من بين المخرجين السعوديين في هذه المرحلة من أمضى عشر سنوات أو أكثر في مهنة الإخراج. على عكس بعض سينما الجوار لم يبن أحدهم علاقة مهنية مسبقة مع الغرب إلا عندما باشر تحقيق فيلمه الأول. والجامع بينهم أنهم ما زالوا في سن النهضة الشبابية التي تمدهم بالرغبة والطموح وبمؤازرة «هيئة الأفلام السعودية»، المظلة التي تأسست لغاية صنع ونشر السينما السعودية.
والحال أن السينما السعودية، بوجود هذه المواكبة الرسمية لصناعة وليدة، هي التي تعرض التمويل عوض أن تطلبه كحال العديد من السينمات العربية الأخرى. هذا ما يجعلها قادرة أيضاً على عرض التمويل شأنها في ذلك شأن الدول الأوروبية المعنية بالإنتاجات العربية.
وفي مهرجان ڤينيسيا الأخير شاهدنا نماذج من هذا المنهج، فالفيلم التونسي «كواليس» (الذي عرضه قسم «أيام ڤينيسيا») استفاد من تمويل عدة مؤسسات عالمية من بينها السعودية، كذلك فعل «خلف الجبال» الذي جمع تمويله من أقطار متعددة من بينها السعودية.
ما يتعدى هذا الوضع ويزيد الاهتمام به هو أن السينما العربية، ككل، شهدت سابقاً غزواتها الناجحة. كان لابد من هذه الغزوات ولابد من نجاحها، وهذا تبلور عن أفلام لهاني أبو أسعد «الجنة الآن» وإيليا سليمان «يد إلهية» وهيفاء المنصور «وجدة» ونادين لبكي «كفرناحوم» وأبو بكر شوقي «يوم الدين» وأمجد أبو العلا «ستموت في العشرين».. وآخرين عديدين.
على ذلك، من الخطأ تجاهل المخرجين السابقين الذين أسسوا محاولات الاندماج بالأسواق العالمية، نجحوا في ذلك أو أخفقوا. لكن نجاح هؤلاء كان فردياً. هذا ما يمكن قوله بالنسبة للمخرجين التونسيين محمود بن محمود ورضا الباهي (من بين آخرين) وبالنسبة للمخرجين المصريين يوسف شاهين ويسري نصر الله. فما الذي يختلف فعلياً هذه المرة؟ ولماذا تبدو السينما العربية من الخليج إلى المحيط كما لو أنها في ولادة جديدة؟
ينقسم الجواب إلى قسمين: الأول وجود ذلك الاستعداد الخليجي لدعم الصناعة المحلية (كما في السعودية) أو الحضور العالمي عن طريق صناديق الدعم (كما الحال في السعودية وقطر). الثاني هو تكاتف الجهود والعلاقات العربية في لبنان وفلسطين ومصر والأردن وتونس والمغرب لمواصلة العمل لاحتلال الموقع المناسب على شاشات العالم.
في كلتا الحالتين، الوقت مناسب والطموح متوفر كذلك أساليب الدعم وتوفير الميزانيات. الباقي متعلق بكيف تستطيع المواهب العربية القيام بالمهام الفنية الصحيحة المطلوبة.