كانت كل الشواهد والقرائن تقود رجال البحث الجنائي إلى متهم رئيسي في الجريمة، لم يبد أي مقاومة تذكر أثناء القبض عليه، ويبدو أن صوت ضميره كان له بالمرصاد، وكأنه كان ينتظر الفرصة لإلقاء القبض عليه حتى يعترف بكل شيء ليرتاح من عذاب الضمير، وسرعان ما قاد رجال الشرطة للقبض على باقي المتهمين الذين ارتكبوا جريمة قتل بشعة بداعي الانتقام، حيث سولت لهم أنفسهم قتل طفلين شقيقين ليس لهما أي ذنب سوى أنهما دفعا حياتهما ثمناً لخلافات مالية بين والدهما وبعض شركائه.
بدأت القصة منذ 5 سنوات مضت بعلاقة جيرة بين المتهم وصديقه المكلوم، تحولت العلاقة بينهما بمرور الوقت إلى صداقة قوية، خصوصاً وأن ظروفهما الاجتماعية متشابهة في كثير من الأمور. اتفقا على الشراكة في مشروع تجاري صغير لزيادة الدخل، المتهم الرئيسي كان شريكاً بالمال، أما صديقه والد الطفلين الضحيتين كان شريكا بالمكان والخبرة، ولم يتخيل أكثر المتشائمين أن يتحول هذا المشروع إلى كارثة ستقضي على الأخضر واليابس.
كان المشروع عبارة عن شراء بعض مستلزمات التكنولوجيا والأجهزة الكهربائية، مثل الألعاب الإلكترونية ومستلزمات أجهزة الكمبيوتر وغيرها، بسعر الجملة عن طريق الاستيراد من الخارج، ثم بيعها وتوزيعها بسعر المستهلك مع إتاحة نظام التقسيط أيضاً لزيادة حصيلة المبيعات. وكان الاتفاق يقضي بأن يتولى المتهم الرئيسي عملية التمويل على أن يتولى صديقه مسألة الاستيراد، لكن تبقت مشكلة التسويق والتوزيع، ما دفعهم للاستعانة بثلاثة شباب آخرين للمساعدة في عمليات البيع والتحصيل، وبهذه الطريقة تحول المشروع من مجرد فكرة صغيرة إلى كيان لا بأس به يدر على الجميع أرباحاً مقبولة إلى حد بعيد، خصوصاً بعد ارتفاع قيمة رأس المال، وزيادة حجم نشاط المشروع.
الطمع والخلافات يزرعان الفتنة
لكن يبدو أن والد الطفلين بعدما شعر بزيادة حركة البيع والشراء طمع في الأرباح، وقرر الانفراد بكل شيء وتصفية هذه الشراكة، الأمر الذي أغضب صديقه صاحب رأس المال (المتهم)، خصوصاً أنه لولا هذا المال الذي تم إنفاقه ببذخ شديد في مجازفة غير مأمونة العواقب ما كان لهذا المشروع أن يخرج للنور ويقف على أرض صلبة بهذه الطريقة. الخلافات بدأت تظهر للسطح بين الطرفين، شعر المتهم أن هناك أموراً غير طبيعية تحدث، فالمبيعات في زيادة، لكن الأرباح تقل بشكل مطرد، وعندما كان يستفسر عن السبب كانت الإجابة أن بعض الزبائن يتعثرون في سداد الأقساط في مواعيدها الثابتة.
لكن بعد أن تحولت المكاسب لخسائر طلب المتهم من شريكه كشف حساب مفصل بعمليات البيع والشراء، وفي كل مرة كان شريكه (والد الطفلين المجني عليهما) يتنصل من هذا الأمر، إلى أن تأكد المتهم أن هناك تلاعباً في الأرباح، ما دفعه للتشاجر مع شريكه وطالبه برد كل الأموال التي حصل عليه منها والتي كانت سبباً في كل الخير الذي ينعم به الآن، إلا أن صديقه ماطل في هذا الأمر، ما دفعه للتفكير في أمر بالغ الخطورة بعدما وصلت الخلافات بينهما لطريق مسدود.
الانتقام الأسود
سيطرت فكرة الانتقام على الشاب المتهم، وبما أنه لم يكن غريباً عن الأسرة، نجح بطريقة أو بأخرى في رسم خطة شيطانية لخطف طفلي شريكه في العمل والتجارة، عن طريق الاستعانة ببعض الأشقياء. وبالفعل تم خطف الطفلين اللذين لم يتجاوز عمريهما الـ 10 سنوات، كانت رغبة المتهم هي مقايضة الطفلين مقابل الحصول على حقوقه المسلوبة، لكن الذي حدث بعد ذلك فاق كل تصور. خطط لأن يتصل بعض الأشقياء بأسرة الطفلين لطلب فدية، وكانت هذه الفدية في حقيقة الأمر هي إجمالي المبلغ الذي دفعه المتهم في الشراكة التجارية بينهما، مع الأرباح المتوقعة.
شاء الحظ العاثر للمتهم الرئيسي أن يرتكب أحد الأشقياء الذين قام باستئجارهم خطأ قاتلاً عندما التقوه في وجود الأطفال الذين تعرفوا على الفور إلى صديق والدهم، وبطبيعة الحال خشي المتهم من افتضاح أمره والإبلاغ عنه ما دفعه لإصدار أوامره بالتخلص من الطفلين، وهو ما فعله الأشقياء حيث قاموا بخنق الطفلين ثم التخلص منهما حتى ينتهي هذا الكابوس إلى الأبد، ثم ألقوا بالجثتين في أحد الأماكن الزراعية.
خطة انتهت بكارثة
على الجانب الآخر حررت الأسرة محضراً في قسم شرطة العاصمة يفيد باختفاء طفليهما في ظروف غامضة أثناء اللهو أمام المنزل، إلى أن ورد بلاغ من أحد الأهالي يفيد بالعثور على جثة طفلين مجهولي الهوية بجوار إحدى الأراضي الزراعية.
وباستدعاء أسرة الأطفال تم التعرف عليهما، لتبدأ خطة البحث والتقصي حول الفاعل الحقيقي، حيث أشارت التحريات الأولية إلى أن وراء ارتكاب الجريمة شاباً في نهاية العقد الثالث من العمر، تبين أنه شريك والد المجني عليهما، وأن الجريمة تمت بدافع الانتقام، على الفور تم تشكيل فريق بحث على أعلى مستوى، حيث تم توجيه مأمورية أمنية للقبض على المتهم الذي لم يبد أي مقاومة تذكر فور سقوطه في قبضة رجال الشرطة، حيث قدم اعترافات تفصيلية بكل ما حدث، وأرشد عن باقي الأشقياء الذين استعان بهم لتنفيذ خطته المجنونة، مشيراً في اعترافاته إلى أنه لم يكن كل ما حدث مخطط له، وكان كل ما يشغل تفكيره فقط هو الحصول على أمواله التي حصل عليها والد المجني عليهما، إلا أن الخطأ الذي وقع فيه شركائه في جريمة الخطف دفعه للتخلص من الطفلين خشية الفضيحة.
تمت إحالة المتهمين إلى النيابة العامة التي أمرت بحبسهم 15 يوماً على ذمة التحقيقات الجارية معهم لحين استكمال باقي التحقيقات وإحالتهم إلى محكمة الجنايات.
* القاهرة: كريم سليمان