اختيار المخرج داميان شازيل لقيادة لجنة التحكيم للدورة الأخيرة من مهرجان فينيسيا الذي أقيم في شهر سبتمبر الماضي، تم بسبب تعاونه مع المهرجان عندما بعث إليه بفيلمين من إخراجه: «لا لا لاند» الذي نال عليه جائزة «الأسد الذهبي» سنة 2016، و«رجل أول» سنة 2018.
فيلم la la land
وكان لافتاً أن المسابقة لم تحتو على أي فيلم ميوزيكال كحال «لا لا لاند»، ما يبعث للتساؤل عما قد يكون موقف شازيل لو وجد نفسه أمام فيلم من هذا النوع، هل كان سيحبذه أو سيعارضه حتى وإن كان فيلماً جيداً في الحالتين.
طبعاً لا بد من استبعاد فكرة التصدي لفيلم ما لمجرد أن رئيس لجنة تحكيم سبق وأن أنجز عملاً مثله، لكن ما ينفذ إليه هذا الموضوع هو كيف أن سينما الميوزيكال تشبه اليوم، وبعد تلك السنوات التي مرت على «لا لا لاند» كما ولو أنها أقل أنواع السينما الأميركية إثارة لاهتمام الجمهور السائد.
فيلم West side story
السينما الموسيقية.. بعض من التاريخ
طبعاً، منذ ذلك الحين لم تتوقف حركة الفيلم الميوزيكال تماماً. في العام الماضي وحده خرج ستيفن سبيلبرغ علينا بفيلم «وست سايد ستوري» وقام بوب مارشل (الذي سبق «لا لا لاند» بفيلم نال الأوسكار عن «شيكاغو») بفيلم «الحورية الصغيرة»، لكن اسم سبيلبرغ لم ينقذ «وست سايد ستوري» من السقوط، واعتمد «الحورية الصغيرة» نوع الأنيميشن وهو الوحيد الذي بات يؤمن فقرات غنائية، من دون أن يعني ذلك أنه ميوزيكال.
بعض من التاريخ هنا مهم، لأن السينما الميوزيكال كانت ذات حضور كثيف في الثلاثينات وما بعد.
فعندما اكتشفت هوليوود نعمة الصوت بعد عقدين من السينما الصامتة، هجمت على استخدام عنصرين متلازمين في مجموعة كبيرة من الأفلام: الحوار المثرثر وأفلام الميوزيكال، وهذه كان منها أكثر من عشرة أفلام في العام الواحد من العام 1929 وصاعداً لبضع عقود.
من الأفلام الأولى: The Singing Fool وBroadway وOn With the Show وGolddiggers of Broadway والعديد سواها. بعض هذه الأفلام ترشح للأوسكار وبعضها الآخر فاز به، ولو قارناها بأفلام أخرى ترشحت في تلك الفترة ولم تفز بالأوسكار لوجدنا أن فوز ذلك البعض، مثل Broadway Melody of 1936، لم يكن مستحقاً.
ذلك العام مثال جاهز لأنه احتوى على خمسة أفلام ميوزيكال، ما يعكس قدر الانبهار أمام تلك السينما في ذلك الحين ولسنوات من بعد.
هذا لم يعن أنه لم تكن هناك أفلام ميوزيكال جيدة في الثلاثينات، لكنها كانت نادرة وأحدها Top Hat لمارك ساندريتش الذي وإن لم يستحق أربعة نجوم من أصل خمسة، كما أوردت مصادر، إلا أنه كان أفضل من ذلك الفيلم الفائز، لكنه لم يفز.
في العام 1939 برز فيلم The Wizard of Oz الذي تناوب على إخراجه خمسة مخرجين بحيث لم يعد معروفاً من حقق ماذا في هذا الفيلم الفانتازي الناجح.
فيلم Wish
متطلبات هذا النوع من الأفلام الموسيقية
الغوص في التاريخ وصولاً إلى اليوم سيتطلب كتاباً أو عدد خاص. لذلك فإن فكرة القفز إلى أيامنا الحاضرة ضرورية ومثيرة. ففيلم داميان شازيل، «لا لا لاند» أعاد الناس إلى الصالات التي تعرضه، في حين كانت هناك أفلام منافسة من أنواع أخرى لم تستطع تحقيق النجاح ذاته.
بعده كرت السبحة لتشمل أفلاماً مثل Mary Poppins Returns وThe Prom وCyrano وذلك الفيلم باسمه السخيف: Tick... tick... Boom الذي كان «بوم» فعلاً إذ سقط أرضاً محدثاً دوياً كبيراً
هل ما زالت هوليوود تستطيع تحقيق أفلام ميوزكال جيدة كما كانت الحال في الخمسينات والستينات مع Sound of Music وMary Poppins وPorgy and Bess وWest Side Story نسخة روبرت وايز سنة 1961؟
يتوقف ذلك على من تستعين به اليوم لتحقيق مثل هذا النوع من السينما، هذا لأنه يتطلب مخرجاً لديه خبرة تحويل الدراما أو الكوميديا إلى مشاهد استعراضية ناجحة فنياً وديكوراتياً وتصميم رقصات. والأهم إلى مخرج لديه علاقة روحية مع ذلك النوع، وهو ما افتقده سبيلبرغ عندما حقق نسخة 2021 من «وست سايد ستوري».
الميوزيكال اليوم بات محط استخدام أفلام الأنميشن وعلى نحو كبير. كما ذكرنا أعلاه، حال تنتمي إلى فورمات الرسوم المتحركة لم تعد أفلام ميوزيكال، لأن الأفلام المتحركة تتحرك كما تهوى... هي أيضاً كوميدية ومغامرات وبكائيات وفانتازيات وكل ما يمكن طبخه وتقديمه ضمن تلك الفورميلا.
وظاهرة اللجوء إلى الغناء في الأفلام الكرتونية ليست جديدة لكنها باتت لازمة أكثر مما يجب. نراها تقريباً في كل فيلم من إنتاج السنوات العشرين الأخيرة. هي في الفيلم الجيد «بينوكيو حسب غويلرمو دل تورو» وفي «لوكا» و«إنسانتو» و«رايا وآخر تنين» و«صول» و«توي ستوري4» و«ذ ليون كينغ» والعديد سواها.
في شهر نوفمبر سيطل فيلم أنيميشن آخر بموسيقى وغناء عنوانه Wish (حول فتاة تتمنى حل مشاكل المجتمع لتجد أن أمنيتها تحققت) كما سنرى فيلم ميوزيكال (حقيقي) بعنوان Journey to Bethlehem الذي يسرد حكاية المسيح ابن مريم بلوحات ومشاهد استعراضية. إذا ما نجح هذا الفيلم (والاحتمال ضعيف) ربما ستتشجع هوليوود للمزيد، وإن لم يفعل بقي نوع الميوزيكال شيئاً من التاريخ، كما حال أفلام الوسترن والتحقيقات البوليسية الجادة.