30 أكتوبر 2023

موجة أفلام المرأة.. قضايا ومشاكل جادة أم "مطر صيف"؟

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

موجة أفلام المرأة.. قضايا ومشاكل جادة أم
مشهد من فيلم «إن شاء الله ولد»

نظرة شاملة للأفلام العربية الجادة في السنوات العشر الأخيرة تكشف عن أن معظم هذه الأفلام تتحدث عن المرأة ومشاكلها وقضاياها. هي، مثل كل شيء آخر، قد يكون صادقاً أو جاداً أو مجرد استغلال تجاري أو نقدي.

تحتل قضايا المرأة على الشاشة العربية موضعاً مهماً تستحقه بلا ريب. العديد من أفلام اليوم (ومن بينها في الأشهر الأخيرة «إن شاء الله ولد» و«أكاذيب بيضاء») تطرح قضايا وموضوعات مختلفة للتعبير عن وضع المرأة في مجتمعاتنا.

تختلف هذه المشاكل باختلاف البيئات المجتمعية (ريف، مدينة) وباختلاف مصادر الإشكالات التي تواجهها (طلاق، ترمل، عنوسة الخ...). وهذا طبيعي ومفتاح لأفلام ومعالجات متعددة. هذا مع العلم أن موضوع الحقوق المهضومة ليس حكراً على النساء وحدهن.

فيلم «اليد الخضرا»
فيلم «اليد الخضرا»

حقوق امرأة أم حقوق حياة؟

من السهل النظر إلى قضايا المرأة وتقديمها على الشاشة على أساس أن للمرأة حقوقاً مهضومة. هي بالفعل لديها حقوقاً جرفتها في بعض المجتمعات التقاليد وأتت عليه المفاهيم وأخفقت قوانين المجتمع والسلطات أحياناً في معاملة المرأة ككيان شريك متكامل وحيوي في الحياة الاجتماعية.

لكن هناك حقوقاً مهضومة في شتى جوانب الحياة الأخرى. الأطفال لديهم حقوق مهضومة، الرجال لديهم حقوق مهضومة، الشجر الذي يموت واقفاً أو يتم قطعه لبناء عمارة سكنية له حقوق مهضومة، كذلك المياه التي تهدر لها حقوق مهضومة. بالتالي المسألة ليست حقوق امرأة بل حقوق حياة.

هذا لا ينفي أن على السينما، وكافة الإبداعات التعبيرية الأخرى، أن تمنح موضوع المرأة نصيباً أكبر من الحاجة أو أعلى تقديراً مما يجب. على العكس، من يتابع أفلامنا العربية يدرك أن هناك عدداً كبيراً من الأفلام يسد النقص السابق في إثارة قضايا نسائية عادلة ومحقة.

المشكلة كانت دائماً في الكيفية. لا توجد رسالة يمكن أن تصل إلى من تتوجه إليهم إلا إذا كانت محصنة بمعالجة فنية لأن هذا من شروط صنع الفيلم. في الوقت ذاته على تلك الرسالة أن تستوفي شروطاً بالغة الأهمية من بينها الحقيقة.

في السنوات العشر الأخيرة شاهدنا المزيد من الأفلام العربية التي تتحدث عن المرأة في مطلق الظروف التي تمر بها. في معظمها تسرد حالات محقة سواء أكانت مستوحاة من أحداث حقيقية أو من كتابات خيالية. كان هناك مثلاً «عمرة والعرس الثاني» لمحمود صباغ، و«على كف عفريت» لكوثر بن هنية (تونس)، و«غدوة خير» (تونس) للطفي عاشور، و«نور» لخليل زعرور (لبنان)، و«قماشتي المفضلة» لغايا جيجي (موضوع سوري بإنتاج ألماني- فرنسي)، و«ميادين الحرية» لنزيهة عربي (ليبيا)، و«فوضى» لسارة فتاحي (النمسا)، و«صوفيا» (فرنسا، بلجيكا)، و«زهرة الصبار» لهالة القوصي (مصر)، و«زهرة حلب» لرضا الباهي (تونس).. والتعداد يطول وصولاً إلى أفلام حديثة من بينها «اليد الخضرا» لجمانة مناع (فلسطين)، و«تحت شجر التين» لأريج السحيري (تونس)، و«مجنون فرح» لليلى أبو زيد (تونس)، و«نزوح» لسؤدد كعدان (سوريا) الخ...

فيلم «تحت أشجار التين»
فيلم «تحت أشجار التين»

دائرة واسعة من الهموم في أفلام المرأة

بطبيعة الحال تتنوع المواضيع ومصادرها وأساليب مخرجيها كما تختلف «الفورمات» التي استخدمها المخرجون للتعبير عما يريدون إيصاله. هناك الروائي وهناك التسجيلي. هناك الفيلم الطويل والفيلم القصير. لكن الثابت هو التباين في النجاح من فيلم لآخر.

هذا التنوع يبتعد سياسياً ومجتمعياً أيضاً حتى بين أفلام تتماثل في الموضوعات. مثلاً في «اليد الخضرا» تعاني المرأة الفلسطينية أنها إذا ما قطفت الزعتر من الأرض فستتعرض لمخالفة قانونية من قبل السلطة لأن هذه لا تريد للفلسطينيين بيع الزعتر أو استغلاله بأي طريقة. لكن في «تحت أشجار التين»، الذي يدور أيضاً حول المرأة العاملة في الحقول، المشكلة عاطفية عادية بين فتاة في مقتبل العمر وشاب معجب بها.

في الدائرة الاجتماعية الواسعة التي تنتمي إليها معظم الأفلام العربية التي تتحدث عن المرأة نجد «بلا موطن» لنرجس النجار (المغرب) التي توفر موضوعاً أثار الاهتمام، عن عائلات كانت عاشت في الجزائر وأنجبت هناك ثم وجدت نفسها تواجه مصائر مختلفة. لكن إذ توظف هذه الخلفية لتقديم حكاية تقع على بعد عقود، تنتقل من المأساة العامة إلى الخاصة متحدثة عن هانيا (غالية بن زاوية) التي فقدت والديها صغيرة. والدتها غابت عنها ووالدها بقي في الجزائر وهي ترعرعت في بيت امرأة طيبة. من هنا وصاعداً هو ترتيب تراكمات من المصاعب والمآزق التي يتابعها المرء بنصف رغبة.

وفي ذلك الريف البعيد تقع أحداث «إلى آخر الزمان» لياسمين شويخ. المخرجة الجزائرية تحسن سرد دراما عاطفية حول امرأة تصل إلى قرية سيدي بوقبور مدفوعة برغبة تأمين مدفن لها بالقرب من قبر شقيقتها. لديها فرصة لأن تقع في الحب لكنها تمتنع من دون مبرر فتبقى في موضعها الجديد معلقة بين ذكريات الأمس وواقع الحاضر.
الفيلم المصري «زهرة الصبير» لهالة القوص ينتقل إلى المدينة (غالب الوقت) ثم ينسل إلى الريف. من العين التي ترقب سكنات الإنسان وتستمع إلى لهاث حياته، إلى التصالح مع الأرض والقبول برحابة الريف وحريته.

فيلم أخضر يابس
فيلم أخضر يابس

اتجاهات ومغالطات

بعض الأفلام التي تدور حول المرأة وواقعها لا يخلو من المغالطات. ففي مقابل «على كف عفريت» لكوثر بن هنية الذي يتناول واقعة اغتصاب حقيقية لفتاة تبحث عن رجلي الشرطة اللذين قاما بهذه الجريمة، نجد «صوفيا» للمخرجة المغربية مريم بن مبارك يستلهم من حادثة واقعية أخرى. على عكس الفيلم التونسي، يخفق في إيصالها إلى حيث يجب أن تصل. ففي «صوفيا» رسالة مغالطة تشي بأنه في وجود قيود على المرأة التي تحبل دون زواج، فإن بطلة الفيلم صوفيا، دافعت عن هذا الحق بذكاء وخرقت القيود وساهمت في تغيير قوانين مرعية، كما يدعي الفيلم. لا يهم إذا ما كانت وسائلها في ذلك تعتمد على الكذب وإيذاء أبرياء. ابتسامتها في نهاية الفيلم هي ابتسامة شريرة قصد بها أن تكون ابتسامة انتصار.

ويرمي المخرج الجديد خليل زعرور في «نور» لدراما عاطفية تقع في بيئة مسيحية وتتمحور حول فتاة اسمها نور (عايدة صبرا) التي ترغم على الزواج ممن لا تحب. طبعاً الموضوع على هذا الشكل مطروق مئات المرات لكن الشيء الوحيد الجديد هنا هو أن الأحداث تقع في كنف قرية مسيحية، بينما اعتدنا، في أفلام عربية شتى، مشاهدة أعمال ذات حكايات مشابهة تقع في بيئات مسلمة في أفلام مغربية أو جزائرية أو تونسية أو مصرية. ولا يفوت المخرج التعرض للتركيبة الاقتصادية والطبقية أيضاً.

السينما المصرية ما زالت توفر الجزء الأكبر من الأفلام التي تتعرض لمواضيع وشؤون المرأة، كما نرى في «بلاش تبوسني» لأحمد عامر و«الظرافة» لأحمد مجدي و«ورود مسمومة» لأحمد فوزي صالح و«أخضر يابس» لمحمد حماد وهو لجانب «زهرة الصبير» لهالة القوصي من أفضل الأفلام المصرية التي تناولت الجانب الاجتماعي من موضوع المرأة في السنوات الأخيرة.

في نتاجها الكلي هي أفلام اجتماعية مطلوبة، وبطبيعة الحال تتفاوت في المستوى وتلتقي في الحديث عن المرأة التي هي نصف المجتمع والأكثر تحملاً لأعبائه.