قضى طفولة بائسة، وعاش حياته طولاً وعرضاً، تحول إلى شيطان يسير على الأرض، لديه الاستعداد لفعل أي شيء في مقابل تجميع ثروة تنقله من حال إلى حال، لذلك اتجه إلى عالم التزوير وانتحال الصفة، وبعد تفكير عميق وقع اختياره على ممارسة مهنة الطب من خلال مجال سهل وبسيط، وهو التغذية العلاجية، ولولا خلافاته مع حبيبته السابقة ربما لظل يمارس عمله حتى الآن.. ولكن الطبيب المزيف سقط في قبضة رجال الشرطة.
شهادات علمية مزيفة ومعطف أبيض
لم تكن حياة بطل القصة هادئة، جمعته قصة حب مع صديقته، وقتها كان يعمل في أحد المحال التجارية، كانت حياته تسير بشكل طبيعي إلى حد كبير، لكن الأمور لا تخلو من بعض المعاناة الشهرية بسبب ضعف الراتب الذي كان يتحصل عليه من عمله.
تراكمت عليه الديون يوماً بعد الآخر، لدرجة أن صاحب العمل هدده بالطرد بسبب كثرة الاقتراض الذي حصل عليه دون أن يلتزم بالسداد، حاول الاستدانة من البعض حتى لا يكون مصيره الشارع، لكن لم يتمكن من الوفاء بكل الالتزامات الواقعة على عاتقه.
ووسط هذه الأجواء الملبدة بالمشاكل، وأثناء تواجده برفقة حبيبته في إحدى الأماكن مع بعض الأصدقاء، كان حديثهم بالمصادفة عن التغذية والسمنة وأساليب النحافة، كان «المتهم» يشاركهم برأيه ويدلوا بدلوه، الغريب في الأمر أن رأيه كان من الآراء المحببة لهم جميعاً بل كان هو الرأي المفضل بالنسبة لهم، لدرجة أن البعض أطلق عليه مجازاً لقب «الدكتور».
دفعه هذا اللقب إلى التفكير في أمر بالغ الخطورة لكنه يمثل نقطة فاصلة في مستقبله، فكر المتهم في احتراف مهنة الطب، فاتح حبيبته في هذا الأمر، والمفاجأة أنها رحبت بشدة بهذه الفكرة المجنونة، أيام عديدة ظلت هذه الفكرة تراودهما حتى اكتملت أركانها.
اقترحت الفتاة على حبيبها الطبيب المزيف، مساعدته مقابل نسبة من الأرباح المتوقعة عن طريق استقدام الزبائن له، وأيضاً من خلال قيامها بعملية التسويق الإلكتروني لحبيبها، لكن الأمور لم تكن بهذه البساطة، كان لابد لها من بعض الترتيبات والتجهيزات حتى يكون الأمر مقنعاً للضحايا من الزبائن، حيث تم استئجار مكان في أحد الأماكن المتطرفة بعيداً عن الرقابة، تم تجهيزه بأفضل الأساس المبهر، كما تم عمل جلسة تصوير بشكل خرافي للطبيب المزيف وهو يرتدي المعطف الأبيض، كما تم تزوير بعض الشهادات والدورات العلمية الوهمية لتزين حوائط العيادة.. الآن أصبح كل شيء جاهزاً للتنفيذ، وبدأ الزبائن في التوافد على عيادة الطبيب المزيف.
وصفات طبية مسروقة
ذاع صيت الطبيب، وحقق نجاحاً في هذا المجال عن طريق النصب والخداع، وتدفقت عليه الأموال والهدايا، وفي حقيقة الأمر كانت كل نصائح الطبيب المزيف ووصفاته العلاجية نتيجة القراءات المختلفة أو أنظمة طبيبة تخص أطباء آخرين يقوم بكتابتها بطريقته الخاصة ومن ثم يقوم بوصفها للمرضى. لم يتوقف الطبيب أو يتراجع عن العمل الإجرامي، ويبدو أن الأرباح الكبيرة خدعته ودفعته إلى الاستمرار، إلى أن نزغ الشيطان بينه وبين حبيبته، بعدما شعرت بمرور الوقت أنها لا تمثل له سوى سكرتيرة، على غير الاتفاق الذي كان بينهما.
طلبت منه تنفيذ وعده بالزواج منها، لكنه كان يماطل ويقدم الحجج المختلفة لتأجيل هذا الأمر، ما أشعل الخلافات بينهما بشكل غير مسبوق، فتغيرت معاملته تجاهها شيئاً فشيئاً، ما دفعها لوضعه تحت المراقبة الشديدة دون أن يشعر، حتى علمت أنه متزوج عرفياً، كان الخبر صادماً بالنسبة لها بعد كل الصعاب التي مرت بهما.
انتقام الحبيب يكشف الطبيب
قررت الفتاة مواجهته بعد تكرار تهربه منها، نشبت بينهما مشادة عنيفة قام على إثرها بطردها من العمل، وربما لولا هذا الخطأ الكبير الذي وقع فيه الطبيب المزيف، لم يكن أمره سيكتشف بسهولة. شعرت الفتاة أنها خسرت كل شيء في لحظات معدودات، كانت رغبتها في الانتقام جامحة ولم يطفئ نار غضبها إلا الذهاب لقسم شرطة العاصمة حيث حررت محضراً ضد الطبيب المزيف يفيد بقيامه بمزاولة مهنة الطب دون ترخيص، بالإضافة إلى أنه زور كل شهاداته ومؤهلاته العلمية، كما طالبت خلال المحضر بتتبع مصادر ثروته والتحقق منها خصوصاً أن عمله لا يدر عليه كل هذه الأموال ولا يجعله يعيش في نفس المستوى الاجتماعي الذي يعيش فيه.
كان الكلام كفيلاً بفتح ملف هذا «الطبيب المزيف»، وتتبع مصادر ثروته، حيث بدأ فاصل من إعادة التحريات المكثفة التي أكدت صدق رواية المبلغة حيث تم تسيير مأمورية أمنية للقبض على «الطبيب المزيف»، المتهم بممارسة مزاولة مهني الطب، حيث تم إلقاء القبض عليه وسط دهشة جيرانه وزبائنه، وبتفتيش منزله عثر على العديد من المفاجآت منها، أن بطاقته الشخصية مزورة، كما أنه حاصل على بكالوريوس تجارة، كما تبين أن صوره وشهاداته التي تزين حوائط عيادته المزعومة كلها مزيفة.
تم تحرير محضر بالواقعة وإحالة المتهم للنيابة العامة، التي أمرت بحبسه 15 يوماً على ذمة التحقيقات الجارية معه، حيث وجهت له النيابة العامة كوكتيل من الجرائم الخطيرة، منها التزوير في الأوراق الرسمية، والتزييف، وانتحال الصفة، وتضليل العدالة، وممارسة مهنة الطب دون ترخيص، كما وجهت له تهمة التهرب الضريبي، وإنشاء مركز طبي مخالف للاشتراطات والمواصفات القياسية، كما أمرت النيابة بالتحفظ على شريكته صاحبة البلاغ، بسبب تضليلها للعدالة وقيامها بالتستر عليه طوال هذه الفترة لحين الانتهاء من التحقيقات معها.
* القاهرة: كريم سليمان