أُعلن، في الأسبوع الماضي، أن صالات العرض البريطانية المتخصصة باستقبال الأفلام المستقلة لا تحقق ما يكفي لاستمرارها في مثل هذا التخصص الذي كانت اختارته، منذ عقود طويلة.
فأكثر من نصف الصالات التي تعرض أفلاماً، لا تنتجها أو توزعها الشركات الكبرى، يعاني من الخسائر، حسب المعلومات. والنصف الآخر، أو أقل، بالكاد يجذب الجمهور الذي كان يوماً عاملاً مساعداً في استمرار تلك السينما المختلفة عن السائد.
وبنظرة سريعة، يمكن استشفاف الوضع نفسه في كل مكان، من القاهرة وبيروت، إلى باريس وأوسلو وغرباً، صوب أمريكا اللاتينية. هذا ما يبث التساؤل حول ما إذا كانت هناك جدوى من إنتاج هذه الأفلام، وما السبب في انطفاء شعلتها التي سادت عقوداً سابقة.
إنه الجمهور كيفما نظرت إلى الموضوع. فهو لم يعد الجمهور ذاته الذي كان سائداً في الستينات، وبعدها، لأن الحالة الثقافية ذاتها تبدلت. وجمهور الأمس كان وليد اهتمام بفن السينما. وجمهور اليوم، في أغلبه، وليد اهتمام بالسينما الرائجة. والمنطق يقول إن تمويل فيلم لن يعود بإيراد مربح هو فعل خاسر من بدايته، بالنسبة إلى من سيدفع الفاتورة.
وهناك بديل للسينما المستقلة، لكنه بديل مشوّه، وهو عبارة عن أفلام يتم إنتاجها خدمة لتوزيع كبير. ومعظم الأفلام العربية التي تتوجه إلى المهرجانات الدولية مموّلة بقافلة من الدول الغربية ضمن أسس مختلطة من مضامين ترضي الممولين، لجانب اسم مخرج معروف، وبعض الجرأة في نقد المجتمعات العربية، وأحياناً نقد الإسلام ذاته.
أما الأفلام الفعلية التي يمكن تسميتها بالمستقلة (والاستقلال عبارة عن تمويل لا يخضع إلا لرغبة المخرج في تحقيق الفيلم الذي يريد، ثم التوجه به عبر قنوات العروض الموازية في تلك الصالات المتخصصة)، فلم يعد لها الصوت الأول لا في دنيا العرب، ولا عند الغرب، باستثناء محاولات محدودة.
هل سيكون هناك مستقبل يعيد حضورها السابق؟ في وسط نوعية وبيئة الحياة التي نعيشها التي تنخفض فيها مستويات الثقافة، فإن الجواب لا يبدو مشجعاً. ويمكن أن نرى ذلك من خلال غياب العدد الأكبر من المخرجين المستقلين، أمثال ديڤيد لينش وجون سايلس ونيل لابوت عن المشهد.