تعالوا نتخيّل، ولو لربع ساعة من الزمن، أن الإرهاب لم يتسلّل إلى عالمنا. كيف تكون دنيانا من غير هذا الوباء الأخطر من السرطان؟ستقولون إنه موجود منذ قرون. عانت منه الأمم والشعوب كافة، وهو ليس اختراعاً عربياً، أو إسلامياً.
نعم، لكن لو أعدنا الزمن ثلاثين عاماً، ثلاثة عقود لا غير، لوجدنا أن الدنيا كانت غير الدنيا. لم تكن هناك بوّابات إلكترونية في مداخل المؤسسات، والمصارف، والمطارات. ولم تتشوه الأرصفة بالكتل الخرسانية التي يفترض فيها أن تصد السيارات المفخخة. ولم تكن هناك تدقيقات أمنية وتفتيشات مضجرة عند أبواب الفنادق والمسارح والدوائر الرسمية، وغيرها. اليوم، يطلب منك حراس البوابات فتح الحقيبة، ويمرّرون جهازاً لاقطاً على جسمك، ومرايا تحت سيارتك، ويأتون بكلاب مدرّبة لكي تتشمّمك.
أنفقت دول العالم المليارات، بل التريليونات من الدولارات على إجراءات مكافحة الإرهاب. وأنا أكتب التريليون ولا أعرف كم هو بالضبط، ومخّي يعجز عن تفكيكه. تعالوا نتخيّل لو أن كل هذه الأموال ذهبت لتشييد المستشفيات والجامعات ومراكز البحث العلمي، وبناء مساكن شعبية، ومدن نظيفة، والتقليل من تلوّث البيئة والتسخين الحراري.
لن أمضي في الحلم وأتخيّل الدول الكبرى تعلن خطة راسخة للسلام العالمي، وتحويل أموال التسليح وترسانات القتل والتدمير إلى الأغراض السلمية والمدنية. هذا موضوع آخر، والدفاع عن حدود الأوطان خط أحمر.
طغَوا في الأرض، وسلبوا حقوق الشعوب الضعيفة، وأجبروا أبناءها على سلوك طريق الكفاح المسلح. ألصقوا الصفة بالعرب والمسلمين، وجعلوا منهم هدفاً لحملاتهم. يحبّون العربي ويفتحون له الأبواب ويرحّبون به حين يكون ثرياً يشتري بضائعهم، ويمدهم بالوقود. ويكرهونه حين يطالب بحق مسروق، أو بحصّته من لقمة العيش. والويل من المخلوقات إذا جاعت.
انتهت ربع الساعة، وحان وقت العودة إلى الواقع. العالم ظالم ومجنون. وكل فلس يصرف في طرد الشر هو فلس ينقص من عمل الخير. وها أنا أتفلسف عليكم بالكلام الكبير، رغم أني لم أتناول عشاء ثقيلاً ليلة أمس، ولم أستيقظ ورأسي مملوء بالكوابيس. يكفي ما نراه على شاشة التلفزيون من أهوال.