«أغلق عينيك» فيلم جديد من إخراج فكتور إيريس، 2023، هو ترشيح السينما الإسبانية لأوسكار أفضل فيلم أجنبي. دراما في محيط درامي شاسع، من مخرج يعود إلى السينما بعد غياب طويل.
في سنّ الثانية والثمانين، وبعد 31 سنة غياب، يقدم المخرج إريس فيلمه الرابع بالعناصر الجمالية، الفكرية منها والبصرية، ويحتوي على تلك الحالات الإنسانية التي تميز شخصياته. كذلك يتناول تلك الأسئلة الحارة بين الذاكرة، وما تحتفظ به، طوعاً أو كرهاً. الموضوع الماثل لديه كذلك ميزة، فهو يعكس وضع المخرج ذاته. هو فيلم عن مخرج متقدم بالعمر، ابتعد طويلاً عن المهنة، وها هو الآن في صدد العودة إليها.
عودة بطل الفيلم تثير الاهتمام، لأنه كان قرر الإنزواء في قرية ساحلية صغيرة، لثلاثة عقود. الآن يكتشف أن صديقه الممثل جوليو (جوزي كورونادو)، اختفى من دون أثر. وهناك سمة البحث عن هذا الإختفاء وأسبابه، كذلك تلك المقدرة على جعل اللغز يعيش طويلاً من دون أن يستنفد طاقته. وهناك توازٍ مقصود بين عودة المخرج واختيار فيلم عن اختفاء، مثلما يوفره فكتور إيريس هنا هو إخراج مدروس بعناية فائقة، وهو يواصل ما كان بدأه من أسلوب عمل في أفلامه الأولى: ضوء النهار ينسحب لتتبدى ظلال المشاهد الداخلية. الكاميرا ثابتة في معظم المشاهد وكلاسيكية الإدارة. والنبرة هادئة وحتى أصوات الممثلين تميل إلى الهمس.
هناك جمالية خاصة يبثها المخرج في عمله تبدأ من المشهد الأول عندما نرى فيلماً داخل الفيلم، عنوانه «تحديق الوداع» الذي من المفترض أن يكون إنتاجه يعود إلى عام 1947 الذي كان آخر ما قام به الممثل المختفي الذي سيبحث عنه المخرج داخل هذا الفيلم، متعجباً من اختفاء مفاجئ ما زال لغزاً.
أفلام إريس ليست غريبة، لا عن تبرير سبب غياب أو عزلة (كما مرّ معنا)، وليس غريباً عن استخدام الفيلم داخل الفيلم كمنطلق. هنا، ومن خلال السينما كموضوع أكثر حضوراً من ذي قبل، تعليق موازٍ لحالها الآن بالنسبة إلى مخرج يود العودة إليها بعد طول انقطاع.. تماماً كفكتور إريس.
أفلام فكتور إريس من القلة والتباعد بحيث يمكن لأي منا نسيانه، وكذلك أفلامه الثلاثة التي حققها ما بين 1973 و1992. وبذلك فإن الفترة ما بين فيلمه الأول«روح خلية النحل» سنة 1973 وفيلمه الثاني «الجنوب» عشر سنوات، وبين «الجنوب» وثالث أفلامه «حلم ضوئي» تسع سنوات. ومن ذلك الفيلم الذي حققه سنة 1992 إلى فيلمه الرابع... احسبها: 31 سنة.
لكن كيف يمكن للمرء أن ينسى لوحاته السينمائية التي لا تختلف كثيرا في فنها وفي قيمتها عن تلك التي وفّرها لنا أندريه تاركوفسكي، وثيو إنجيلوبولوس، وترنس مالك، من بين آخرين؟ أو موضوعات تلك اللوحات التي تميل إلى تخزين اللحظة في الفيلم ومضمونها؟