ما هو السر وراء رغبتنا الدفينة بنجاح لصوص المصارف في عملياتهم غير القانونية؟ لماذا (كثير منا على الأقل) يتمنون النجاح للسارق خصوصاً إذا ما كان بطل الفيلم؟
Heist 88
هناك فيلمان جديدان حول سرقة البنوك يضافان إلى العشرات من الأفلام السابقة التي دارت حول هذا الموضوع. الفيلم الأول هو «سرقة 88» (Heist 88) لمنهاج هودا (بنغلاديشي الأصل، بريطاني الهوية، يعيش في لوس أنجلوس). هذا الفيلم الذي تعرضه شبكة «شوتايم» مبني على حادثة حقيقية وقعت في مدينة شيكاغو سنة 1988 وبطلها، على الشاشة، كورتني ب ڤانس، أفرو- أميركي يعيش في دعة لكنه يريد زيادة نصيبه من الثروة. يجمع أربعة أفرو-أميركيين من الذين يعملون في المصارف ويبث في بعضهم روح الرغبة في إتمام سرقة إلكترونية يرى أنها سهلة التحقيق. يدمج الفيلم هذا الخط مع عنصرية يتلقاها الموظفان الأسودان من إدارة المصرف ما يزيد من قناعتهما بأن يرتكبا الجريمة.
The Delinquents
الفيلم الثاني هو «الجانحون» (The Delinquents) حول موظفين آخرين في بلد آخر (الفيلم هو إنتاج أرجنتيني). أحدهما ينفذ خطة لسرقة المال يخبر بها زميلاً له. الشرطة تلقي القبض على الفاعل أما الآخر (الذي احتفظ بالغنيمة) فلا تعرف عنه شيئاً كون الفاعل لم يعترف بمكان الغنيمة.
الأول منفذ باحتراف من يريد تنفيذ فيلم مشوق (وهو يحقق نصف هذه الغاية فقط)، الثاني، كما أخرجه رودريغو مورينو، يرتاح في أحضان توليفة من المشاهد التي تحاذي الكوميديا من دون أن تعمد إليها فعلياً.
ينتمي كلا الفيلمين إلى تقليد قديم من السينما التي تسرد الخطط وتتابع النتائج وتحقق رغبات المشاهدين الدفينة. ففي نهاية الأمر نحن «نتفرج» على سرقة يسطو فيها اللصوص المحترفون على مال ليس مالنا لكي نشعر بالفداحة. أكثر من ذلك، نتمنى للصوص النجاح في المهمة شرط ألا تكون هناك جريمة قتل مقصودة وأن تكون هناك تبريرات تدفع بالسارق لارتكاب السرقة مثل أن تكون والدته بحاجة لرعاية لا يستطيع تأمينها، أو أن المال المودوع هو مال خزنته المافيا في المصرف، أو للسبب الأكثر شيوعاً: الفقر نال ما ناله من قيم الإنسان في مجتمعه بحيث إن السبيل الوحيد للتغلب عليه هو سرقة المصرف.
حتى في الحالات التي تقوم فيها عصابة كاملة متخصصة بسرقة المصارف من دون أي من الدوافع المذكورة أعلاه، فإن النتيجة المرتسمة على الشاشة، إذا ما أحسن المخرج التنفيذ، هي تشويق والترفيه.
The Town
واحد من تلك الأفلام المبنية على خطط عصابة ستقوم بسرقة أحد بنوك مدينة بوسطن هو «البلدة» (The Town) الذي أخرجه بن أفلك ببراعة وقام فيه بأداء دور عضو العصابة الذي بدأ يتحول من القيام بالمهمة إلى الرغبة في ممارسة حياة طبيعية مع من يحب. هذا ما يخلق التقدير لبطل لم يتخل بعد عن أخلاقياته. في الوقت ذاته هو فيلم تشويقي على النحو الذي جعله بداية رائعة لممثل يستطيع ممارسة الدورين، أمام ووراء الكاميرا، بإتقان.
bonny and clyde
المهمة المستحيلة في هذا الصدد هي تبرير جريمة السرقة التي تتم بالعنف والقتل أيضاً، لكن المخرج آرثر بن حقق هذا المستحيل في «بوني وكلايد» سنة 1967 عندما سرد القصة الحقيقية للثنائي كلايد (وورن بيتي) وبوني (فاي داناواي) اللذين انطلقا في ثلاثينات القرن المنصرم يسرقان من المصارف (وحيدان أولاً ثم بانضمام شلة صغيرة لاحقاً) في ولايات الوسط الأميركي. ضع الحق هنا على سنوات اليأس الاقتصادية التي أدت إلى انتشار الفقر بين مواطني الولايات الوسطى وإلى قيام المصارف بالاستيلاء على العقارات التي لم يستطع أصحابها الإيفاء بدفع ديونها، ولزيادة الجرعة في عملية تقريب بوني وكلايد إلى الجمهور، تم تعميق العلاقة العاطفية والشخصية: كلايد قد يكون عاجزاً جنسياً لكنه شاعر وبوني لن تتخلى عنه.
The Getaway
سرقة من المافيا
الشرطة في خدمة القانون... غالباً، كون بعض الأفلام تداولت أن حاميها قد يكون حراميها أيضاً أو مشترك في الصفقة على الأقل كما ورد في فيلم سام بكنباه «الفرار» (The Getaway) سنة 1972. هنا سجين اسمه دوك ماكوي (ستيف ماكوين) بارع في سرقة المصارف سيقوم مدير السجن (بن جونسون) بإخلاء سبيله بشرط القيام بسرقة مصرف وتقاسم الغنيمة معه. يكتشف دوك أن مدير السجن قبض بعض الثمن مقدماً عندما أجبر زوجته (آلي مكغرو) على النوم معه كشرط للإفراج عنه. العلاقة بينهما تسوء ودوك حائر في أمره حيالها ثم ها هم رجال مدير السجن يتدافعون لقتله وسرقة الغنيمة بأسرها. في نهاية الفيلم، وبعد القضاء على الأشرار، يتجه الزوجان بالغنيمة كاملة إلى المكسيك. إزاء ذلك كله كيف لا يمكن الاصطفاف وراء مجرمي هذا الفيلم؟
Reservoir Dogs
وورن بيتي لعب في سنة 1971 فيلماً آخر مبنياً على سرقة مصارف هو $ (يكتفي العنوان بالعلامة الشهيرة). كتبه وأخرجه رتشرد بروكس حول لص محترف يخطط لسرقة ثلاثة حسابات بنكية لثلاثة مجرمين (المبرر موجود من البداية) لكن تبعات ذلك خطيرة ولو أن محترف السرقة هو من سينتصر على محترفي القتل.
أحياناً ما يكون المجرم فرداً واحداً كما الحال في فيلم دون سيغل «تشارلي ڤارك» سنة 1973. في ذلك الفيلم ينفذ وولتر ماثاو شيئين: يترك الكوميديا خلفه لكي يؤم بطولة هذا الفيلم الجاد ويسرق مصرفاً يودع فيه المافيا ماله. شريكه الوحيد هو شاب ساذج (أندرو روبنسن الذي كان أدى دور السفاح في فيلم كلينت ايستوود «ديرتي هاري» قبل عامين من هذا الفيلم) يلقى حتفه سريعاً بعدما وصل مندوب العصابة القاتل المحترف مولي (جو دون بايكر) بحثاً عن تشارلي والمال معاً.
«ذ درايڤر» لوولتر هل هو فيلم آخر عن السرقة لكن من زاوية أخرى. التحري (بلا اسم لشخصيته) بروس ديرن يلاحق السائق (رايان أونيل) الذي يشترك في السرقات كسائق لما يسمى «بسيارة الهروب». يدرك التحري أن هناك خطة عمل لسرقة جديدة ويحاول إجبار السائق على الاعتراف بها. لجانب أن القصة جيدة وشخصياتها وممثليها على مستوى واحد من التعبير، هناك ذلك الإخراج المتين الذي يؤمنه وولتر هل بلا هفوات.
أول أفلام كونتن تارنتينو الذي وضعه على سدة الشهرة كان «كلاب المخزن» (Reservoir Dogs) (1992) حيث تقوم العصابة، بأسماء مستعارة مثل وايت (هارڤي كايتل) ومستر أورانج (تيم روث) وبلوند (مايكل مادسن) بتنفيذ سرقة ضخمة والانتقال مع رهينة إلى ذلك المخبأ حيث تدرج المواقف سريعاً صوب عنف زائد عن الحاجة. هذا فيلم من تلك التي تستبعد احتمال اصطفاف الجمهور مع أي من العصابة بسبب العنف التي تمارسه. ليس من بينها (وكلهم ممثلون جيدون) ما يستدعي التعاطف معه ولو أن الدافع هنا ليس أخلاقياً على الإطلاق.
من الأفلام الأخرى التي راجت، لكنها لم تثر التعاطف، «بعد ظهر يوم وضيع» (Dog Day Afternoon) لسيدني لومت الذي ركب موجة التعاطف النقدي وليس الجماهيري. الفيلم عبارة عن سرقة مصرف يقوم بها آل باتشينو، والدافع؟ استخدام المال لدفع فاتورة المستشفى لصديقه لإجراء عملية تحويل جنسية.
Inside Man
بطل أفلام اللصوص معلق بأمل
كل هؤلاء المخرجين الذين وردت أسماؤهم أعلاه من صفوة سينمائيي هوليوود، كذلك الحال بالنسبة لسبايك لي الذي أنجز سنة 2006 فيلماً من هذا النوع عنوانه «الداخل» (Inside Man) وفيه لص محترف (كلايڤ أوون) تزداد مهمته صعوبة بوجود التحري دنزل واشنطن الذي يكتشف أن المسألة برمتها ليست بشخص لص واحد بل تكشف عن فساد في بعض السلطات أيضاً.
هذا الفساد لا يرد ذكره في فيلم «حرارة» (Heat) الذي أنجزه مايكل مان سنة 1995 وجمع له ممثلين من وزن ثقيل واحد هما آل باتشينو وروبرت دينيرو. الأول يرأس جهاز البوليس الذي يرقب كل حركة من حركات العصابة التي يديرها دينيرو. المعركة العنيفة التي تدور بين الفريقين أمام المصرف المنهوب من جودة التنفيذ ما يجعل المشاهد في حالة توثب دائم. كون المعركة في منتصف الفيلم وقبل حل الإشكالات العالقة فإن قيامه باتخاذ موقف لتأييد أحد الفريقين ليس متاحاً.
بالطبع هناك تلك الأفلام التي يسودها الضحك من الفشل، كذلك التي تحتوي على الجهد الكبير لحفر نفق من موقع ما إلى ما تحت المصرف لدخوله ليكتشف اللصوص أن الفتحة التي أحدثوها تنتمي إلى دكان خضار مثلاً. إنما معظم الأفلام المنتمية إلى هذا النوع إما تثير الإعجاب كما حال فيلم «الحجر الساخن» لبراعة تنفيذها كما تقدم، أو الحزن لفشلها.
في فيلم ستانلي كوبريك «القتل» (The Killing) سنة 1956 المؤسسة المنوي سرقتها ليست المصرف بل ميدان سباق الخيل. سترلينغ هايدن يريدها السرقة الأخيرة في حياته تؤازره في هذا القرار صديقته فاي (كولين غراي) ويجلب كوكبة من المحتاجين للمال بينهم رجل بوليس (تد د كورسيا الشاكي من عمل لا يعفيه من الحاجة) وموظف الميدان (إليشا كوك الذي يحاول إسعاد زوجته، ماري وندسور) والموظف الآخر (جو سوير الذي لا يستطيع دفع فاتورة الطبابة لإنقاذ والدته). هنا المبررات موجودة وتعاطف المشاهد مؤكد وهو يتابع نجاح الخطة كما تم رسمها ثم ثغرات ما بعد نجاحها التي تنقلب في النهاية إلى خسارة فاجعة.
اقرأ أيضاً: أفلام الرعب سلسلة لا تنتهي.. لماذا نحب أن نخاف؟