الحروب لا تنتهي وكلما خمدت هنا اشتعلت هناك. هذا أيضاً واقع فيلم كبير الحجم والقيمة لترنس مالك، الولايات المتحدة- 1998، تم طرحه مؤخراً على أقراص DVD وبعض المنصات الخاصة.
استمد الروائي جيمس جونز بعض أعماله، مثل From Here to Eternity («من هنا للأبدية»، فرد زنمن، 1953) ومثل روايته الرابعة، «الخط الأحمر الرفيع» (نشرها سنة 1962) من سيرته الذاتية إذ كان جندياً في الحرب التي دارت، خلال الحرب العالمية الثانية، فوق جزيرة غوادال وخرج بوسام «القلب الأرجواني». بذلك يمكن القول إنه كان يعرف تماماً ما يكتب عنه بعدما عاصره وعايشه على أرض الواقع خلال تلك الحرب.
ما يفعله مالك ليس سرد الحكاية كما وردت في الكتاب مسرودة حسب معظم تقاليد الكتابة الروائية بالنسبة لتلك الفترة وحسب روايات المؤلف ذاته الأخرى.
يبدأ المخرج بتعريفنا بشخصيات الفيلم المؤلفة من المجند ولش (شون بن) والكولونل تول (نك نولتي) والمجند وت (جيم كافييزل) وكابتن فايف (أدريان برودي) وآخرين. ليس التعريف المرتب حسب مواصفات سردية معينة، هم جزر منفصلة في أتون واحد من دون أن يلغي مالك شخصية كل منهم المختلفة.
في اليوم التالي تقع معركة طاحنة بين هذه الفرقة والقوات اليابانية المتمركزة جيداً في مواقع مدروسة. تجمع في دقائقها الطويلة واقعية القتال والموت وترتفع عما حققته السينما الحربية في معظم إنتاجاتها. على عكس أفلام كثيرة معادية للحرب، لا يرفع مالك شعار العداء للحرب على نحو مباشر. لا يسير في درب الاحتجاج كمتظاهر يرفع راية (كما فعل ستيفن سبيلبرغ في فيلمه Saving Private Ryan («إنقاذ المجند رايان») الذي تم إنتاجه وعرضه في العام ذاته. للإيضاح، فيلم سبيلبرغ كان ضد حرب. فيلم مالك كان ضد كل حرب.
إلى ذلك، يأتي الفيلم كما لو كان بحثاً فلسفياً في الحياة والعاطفة وشجون الحياة. المعركة كان لابد منها وهي تحمي الفيلم من تغيير جوهره. التعليق الصوتي يمنح الفيلم قراءة سمعية فوق قراءته البصرية وكلاهما يرفع من الفيلم فنياً إلى أقصى ما يمكن أن يصل إلى طموح فنان.
إنه فيلم فريد في خامته وطريقة معالجته للحرب والإنسان فيها. خرج الفيلم في العام ذاته الذي تم عرض فيلم ستيفن سبيلبرغ الأكثر شهرة وهو Saving Private Ryan. فيلم سبيلبرغ كان تقليداً واستعراضياً وجيداً، لكن فيلم مالك كان أكثر أصالة وجودة.
اقرأ أيضاً:
- فيلم The Critic.. ماذا فعل هذا الناقد المسرحي كي يطرد من العمل؟
- استعادة لفيلم The Naked City.. واقعية بلا دراما ولا فنتازيات