صوفيا كوبولا، ابنة المخرج الأسطوري فرنسيس فورد كوبولا، ورثت عن أبيها حب السينما فقط، وليس موهبته. «برسيليا» فيلم آخر لها يؤكـد ذلك.
هناك لمسة مصطنعة تشمل كل أفلام المخرجة صوفيا كوبولا. لمسة تمنع هذا الناقد من قبول دعوتها للمضي معها إلى حيث تريد أن تأخذ مشاهديها. هذا متوفر في أيّ من أفلامها السابقة، بما فيها «ماري أنطوانِت» (2006) الذي استُقبل جيداً في «كان» لسببين، الأول أن نصف الفيلم مثير كأسلوب عمل فني، والثاني أن الفرنسيين يحبّون قيام الأمريكيين بتقدير تاريخهم، حتى لو كانت الشخصية هي الملكة التي طلبت من شعبها أن يأكل البسكويت.
«بريسيلا» يملك تلك المسحة الاصطناعية التي تبدو هنا في مكانها، إذا ما رضي المرء بذلك القدر من الإجادة. يتحدّث عن زوجة المغنّي الأمريكي الشهير، ألفيس برسلي، نقلاً عن كتاب زوجته بريسيلا «ألفيس وأنا».
الفيس بريسلي مع زوجته وابنته في عام 1968
يبدأ الفيلم سنة 1959 عندما التقت بريسيلا بألفيس لأول مرّة. هي كانت في الرابعة عشرة من العمر، وهو في الرابعة والعشرين. وحين عاد من ألمانيا زار والديها وأعلن حبه لها، وتم زواجهما، وبذلك أصبحت زوجة أشهر نجوم الغناء (وأحد أشهر نجوم السينما ولو لفترة قصيرة). الفضول يتوقّف هنا، لأن المخرجة قررت الاكتفاء بتتابع الأحداث كما ترد في الكتاب. المشكلة ليست في النقل الأمين للنص المنشور، بل حقيقة أن المعالجة تقليدية بلا نفحة تجديد. حتى مراحل الانتقال الزمني تعمد إليها على نحو لم نشاهده منذ الستينات: عبر أوراق الروزنامة المنتزعة من التقويم.
«بريسيلا» يمكن اعتباره الجواب على فيلم «ألفيس» في العام الماضي. ليس لأنه معاكس لما ورد في ذلك الفيلم، بل لأن فيلم باز لورمن احتفى بألفيس (كما أدّاه أوستن بتلر)، كفنان غناء، وشخصية جذابة، ومستقطبة، وكنجم كبير، بالطبع، بينما فيلم كوبولا يشتمل على قصّة حب تتحوّل إلى مشاكل شخصية وعاطفية. والصورة التي توفرها لألفيس نقلاً عن زوجته، ليست باهية، إذ بعد انحسار الحب وارتفاع الشهرة بات شخصاً مختلفاً حيالها، يريدها أن تبقى في البيت بلا أي طموح خاص وحين مواجهته بعلاقاته العاطفية تثير غضبه، ويرميها بما تصل إليه يده (في ذلك المشهد كرسي).
المخرجة صوفيا كوبولا «يساراً» وبريسيلا بريسلي في مهرجان البندقية السينمائي
كل من كايلي سبايني في دور بريسيلا، وجاكون إلرودي في دور ألفيس جيّدان. أحياناً يوحيان بأن الكيمياء بينهما ليست متناسبة، ولا الفيزياء أيضاً، لكون سبايني قصيرة وإلرودي طويل القامة، ما يخلق في البداية ما يدعو للسخرية قبل أن تتحول إلى نقطة غير مضيئة كلما صوّرتهما كابولا معاً.
تبقى صوفيا كوبولا على السطح طوال الفيلم. في تلك المشاهد التي تتطلب إشعارنا بوحدة بريسيلا الناشئة عن إهمال زوجها لها، ستكتفي بالدلالات العامّة، وتهيئة الديكور لكي يستقبل لقطة بعيدة مع ضوء محدود. لكن لا شيء من كل هذا يتجاوز النظرة إلى حيث كان من المطلوب النفاذ إلى المشاعر.