يقال إن الإنسان حيوان ناطق، لكن الحيوان ينطق كذلك، وإن على طريقته. فالطيور والقرود والأسماك والسناجب، وحتى النمل، وسواها من الحيوانات، تطلق نداءات تحذير، سواء أكانت صوتية أم حركية، أم كيميائية، حينما تشعر بأن ثمة خطراً يتهدد مجموعتها.
يقال أيضاً إن الحضارة الإنسانية ولدت مع ولادة الضمير والأخلاق، والتعاطف مع الغير، لكن الحيوانات كذلك تمتلك هذه النعمة، والأمثلة على هذا الأمر لا تحصى. يذكر منها حالة القردة «واشو»، وقد كانت القردة الأولى التي تعلّمت لغة الإشارات، أو لغة الصم والبكم الأمريكية. ففي ذات يوم، سمعت صراخ قردة أخرى على شفير الغرق، وعلى الرغم من أن القرود تخشى الماء، وأن «واشو» لا تعرف السباحة، ولا تعرف هذه القردة، ولا تمت إليها بأية صلة قرابة، هبّت إلى نجدتها وقفزت فوق سياجين مكهربين لترمي نفسها في الماء من أجل إنقاذها.
وأثبتت التجارب في المختبرات أن الفئران، تماماً كالقرود والدلافين والفيلة والحيتان، وأنواع شتى أخرى من الحيوانات، تساعد بعضها بعضاً لمجرد المساعدة، حتى لو كانت تضع حياتها في خطر. كما أن الحيوانات تعرف كيف تقدّر المبادرات الخيّرة حين تكون شاهدة عليها، وثمة تجربة فريدة في هذا المجال.
وُضع كلب أمام ثلاثة ممثلين: أحدهم بزي متسوّل، في حين أدى الإثنان الآخران دور شخصين من المارّة. قام أولهما بالإحسان إلى «المتسوّل»، في حين أن الآخر تجاهله تماماً. بعدئذ، تم إخراج المتسوّل من القاعة وترك الكلب برفقة الرجلين الباقيين، وطلب من كليهما أن يقدما طعاماً شهياً إلى الكلب. فما كان من الكلب إلا أن قبل الطعام من «الكريم» الذي تصدق على المتسول، ورفضه من «الأناني». وهذا يعني أن الكلب أصدر حكماً أخلاقياً على سلوك الرجلين، أي أن الغيرية، أو التعاطف مع الآخرين، ليست حكراً على البشر، بل هي جزء من طبيعة الخلق، وهي موجودة، بشكل خاص، لدى الحيوانات التي تعيش ضمن مجموعات وتشكيلات جماعية، وقد اعتادت التعاون والتعاضد من أجل خير المجموعة.
وإذا كنا نظنّ أن مساندة الضعيف هي سلوك بشري بحت، بدءاً باهتمام الأسرة بالجد أو الجدة، العاجزين، أو بأحد أفرادها من المرضى أو المعوقين، وصولاً إلى المؤسسات الخيرية وصناديق الضمان الاجتماعي، فهذا أيضاً خطأ شائع، لأن القرود والدلافين والحيتان، وحتى القاتلة منها، تتعاطف مع ضعيفها، وتساعده. وقد شوهد فيل يحمل طعاماً لفيل آخر مصاب بجرح في خرطومه، ويضعه في فمه. وفي مركز أبحاث يركس للحيوانات الرئيسة، كانت «بيوني»، القردة المعمّرة والمصابة بالتهاب شديد في المفاصل، عاجزة عن الحركة وحدها، لذا، متى وجب عليها التسلّق، أتت قردة شابة لمساعدتها من الخلف. وحين كانت تريد أن تشرب، كانت الإناث الأخريات يسارعن إلى ملء أفواههن بالماء لسكبه في فم «بيوني»، أي أننا أمام أمثلة لحيوانات بصحة جيدة تساعد أخرى في حالة مرض وعجز، من دون الحصول على أي مقابل.
لست أدري، عند قراءة هذه الأمثلة، وسواها الكثير، إن كان ثمة مزيد للشعور ببعض التواضع، أو الخجل.