«إقرار بالمديونية» ورّط تاجراً، وبرفقته رجلين آخرين، في قضية جنائية انتهت بإصدار حكم بحبسهم وإبعادهم عن الدولة، لأن هذا الإقرار جاء بطريقة الإكراه، وتحت وقع التهديد بالقتل بما يخالف القانون.
تفاصيل القضية التي اطّلعت «كل الأسرة» عليها من حُكم محكمة الجنايات في دبي، أظهرت وجود خلاف بين التاجر، وتاجر آخر، «المجني عليه»، تطوّر بشكل سريع إلى أن أصبح «قضية جنائية»، فيها روايتان حول ما حدث.
رواية المجني عليه.. خطف وإكراه
وفقاً للرواية التي قدمها التاجر المجني عليه في التحقيقات، أفاد بأنه تعرف إلى التاجر «المتهم»، منذ نحو 3 أشهر، عن طريق أحد الأشخاص، بهدف أن يساعده في الحصول على تأشيرة عمل في إحدى الدولة الإفريقية، لأنه يرغب في تأسيس شركة فيها.
ويروي المجني عليه «قابلت المتهم في إحدى المناطق، واصطحبني إلى شقة فندقية تحمل الرقم 347، حيث أبلغني أنه سوف يقوم بإنهاء الإجراءات الخاصة بتأشيرة العمل، وبمجرد دخولي إلى تلك الشقة شاهدت 5 أشخاص، وأجلسوني على أريكة».
وأضاف «كان أحد هؤلاء الأشخاص رجلاً مفتول العضلات، طلب مني التوقيع على إقرار بمديونية بقيمة 450 ألف درهم، لمصلحة شخص لا أعرفه، فأبلغته أنني لا أعرف هذا الشخص لأوقع له إقراراً بالمديونية، وأنني لم أقترض منه أيّ مال».
وتابع «هددوني بالقتل، وبأنني لن أغادر المكان، وأنهم حضروا إلى الدولة لخطفي، وإرسالي إلى أحد الأماكن خارج الدولة».
ووفقاً لأقوال المجني عليه، فإن الرجال في الشقة أخرجوا ورقة وطلبوا منه التوقيع عليها باللغتين، العربية والانجليزية، تفيد بأنه يقرّ بدفع المبلغ المالي، مشيراً إلى أنه بسبب خوفه منهم وخشية من إلحاقهم الضرر به، أقدم على التوقيع ثم سمحوا له بمغادرة الشقة.
تقديم بلاغ وبدء التحقيقات
لم تنتهِ تفاصيل القضية هنا، فالمجني عليه توجه إلى مركز الشرطة، وقدّم بلاغاً بالواقعة، لتبدأ التحقيقات من أجل معرفة السبب الذي دفع التاجر، والرجال الذين برفقته، لإرغام المجني عليه للتوقيع إقرار بمديونية مالية من دون أي وجه وحق.
مفاجأة.. رواية أخرى تكشف السر
كشفت التحقيقات عن رواية أخرى حول حقيقة ما يدور، وتبيّن أن هناك وجهاً آخر لتفاصيل القضية، ليست كما ذكرها المجني عليه، فقد أظهرت التحقيقات أن التاجرين بينهما علاقة تجارية نشأت من أجل الاتجار بالقطع المُستعملة المعروفة باسم «الخُردة».
وأظهرت تفاصيل القضية أن التاجر اتفق مع المجني عليه على أن يقوم بتوريد القطع المستعملة من «الخردة» له من خارج الدولة بمبلغ مالي قدره 960 ألف درهم، لكن المجني عليه لم يلتزم بتنفيذ جزء من الاتفاق، فيما لم يتمكن التاجر من استرجاع باقي أمواله من المجني عليه البالغة 450 ألف درهم.
أدّى غضب التاجر من عدم إتمام الاتفاق بين الطرفين، وعدم حصوله على حقوقه، إلى استدراج المجني عليه للقاء معه من أجل الحديث عن الخلاف بينهما، ثم اصطحبه إلى الشقة الفندقية المستأجرة، حيث كان في انتظاره بقية الرجال.
وبيّنت تفاصيل القضية أن الرجال في الشقة هددوا المجني عليه بالقتل فعلاً، لإجباره على التوقيع على إقرار مديونية لمصلحة التاجر، ما ألقى الخوف والرعب في نفسه، ودفعه على التوقيع مُجبراً.
وأكدت تفاصيل القضية أن التاجر لم يكتفِ بتوقيع المجني عليه على إقرار بالمديونية، وإنما أخذ جواز سفره، وأحتجزه في إجراء غير قانوني، وأن سِر الخلاف بين الطرفين في حقيقته كان وفق هذه الرواية الأخيرة.
إقرار التاجر ورجلين
تمكنت الشرطة من إلقاء القبض على التاجر، واثنين من الرجال الذين كانوا معه لحظة احتجاز وإجبار المجني عليه على التوقيع على سند الإقرار المديونية، رغماً عنه، حيث ادّعوا جميعاً أن المجني عليه أقدم على توقيع الإقرار بالمديونية برضاه التام، وليس بضغط منهم، فيما ادّعى التاجر أنه «تحفّظ على جواز سفر المجني عليه كضمان لحين استرداد ماله منه».
كان على التاجر اللجوء إلى الجهات القانونية للحصول على دينه من المجني عليه، إلا أن قيامه بإحضار رجال وإجبار المجني عليه، عنوة، على توقيع إقرار بالمديونية ورّطه في قضية جنائية كان بمقدوره تفاديها، ولذلك رفعت النيابة العامة في دبي لائحة اتهام بحقه، والرجلين اللذين ضبطا معه، إلى الهيئة القضائية في محكمة الجنايات.
ووجهت النيابة العامة إلى التاجر والرجلين تهمة «الحصول مع آخرين هاربين بطريق التهديد على توقيع المجني عليه على إقرار مديونية بمبلغ 450 ألف درهم بعد تهديد أثناء احتجازه في الشقة».
وطالبت النيابة العامة بمعاقبة التاجر والرجلين، عملاً بالمادة 449 من المرسوم بقانون اتحادي رقم 31 لسنة 2021 في شأن الجرائم والعقوبات، والتي تنص على أنه «يعاقب بالسجن المؤقت كل من حصل بالقوة أو بالتهديد، على سند، أو على التوقيع عليه، أو التعديل فيه، أو على إلغائه، أو إتلافه»، حيث إن عقوبة السجن المؤقت تصل إلى السجن من 3 إلى 15 عاماً، إلى جانب المطالبة بإبعادهم عن الدولة.
الحبس مع الرأفة والرحمة
نظرت محكمة الجنايات القضية، ورأت أخذ التاجر والرجلين بقسط من الرأفة والرحمة في تطبيق القانون في ظل ظروف الدعوى، وقضت بالاكتفاء بمعاقبتهم بالحبس لمدة 6 أشهر، مع إبعادهم عن الدولة، ومصادرة إقرار المديونية الموقع بالإكراه.