12 ديسمبر 2023

مهرجان مراكش السينمائي.. دورة جديدة ناجحة وإنتاجات مشتركة

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

مهرجان مراكش السينمائي.. دورة جديدة ناجحة وإنتاجات مشتركة

بعد 19 دورة حافلة، وفي موسم مزدحم من المناسبات السينمائية والمهرجانات، اختتمت، مؤخراً، الدورة العشرون من مهرجان مراكش أعمالها، منجزة نجاحاً يوطّد مستقبلها كأحد الاحتفالات العربية -العالمية.

مهرجان مراكش السينمائي.. دورة جديدة ناجحة وإنتاجات مشتركة

انتهت في الثاني من ديسمبر الدورة العشرون من مهرجان مراكش السينمائي الدولي، تحت رعاية الأمير مولاي رشيد، وبإدارة مجلس من وزراء حاليين وسابقين، ومسؤولين في أقسام ومؤسسات حكومية، إلى جانب عدد من السينمائيين في هيئات ومؤسسات خاصّة.

الهمّ المشترك هو وضع مهرجان مراكش على السدّة التي يستحقها بين المهرجانات الدولية. وهو يستند في ذلك إلى الاستقبال الحافل الذي أنجزه عندما انطلق للمرّة الأولى في عام 2001، وإلى النيّة الصادقة في استمرار دوره في الحياة الثقافية والفنية في المغرب.

مهرجان مراكش السينمائي.. دورة جديدة ناجحة وإنتاجات مشتركة

جاءت ولادته في فترة تكاثرت فيها المهرجانات العربية الكبيرة منها، مثل أبو ظبي، دبي، الدوحة، إلى جانب تلك التي تأسست قبل هذه جميعاً، واستمرت رغم الصعاب، ومنها على الأخص أيام قرطاج السينمائية والقاهرة.

ولكون العمل على تلك الدورة الأولى بدأ قبل أحداث سبتمبر 2001 في نيويورك، دفع المعنيين للتساؤل إذا ما كان عليهم التوقف عن إنجاز تلك الدورة الأولى تبعاً لذلك، ثم قرروا، عن صواب، أنه من الأفضل إطلاق الدورة كما كان الهدف الأول، لأنه إذا ما كان على الجهود الفنية أن تتوقف لاعتبارات خارجة عن إرادتها (خصوصاً السياسية منها)، ففي ذلك إذعان مرفوض، وسنوات توقف لا تنتهي، لكون الأحداث السياسية والحروب والفواجع مستمرة سنة، وراء أخرى.

مهرجان مراكش السينمائي.. دورة جديدة ناجحة وإنتاجات مشتركة

مهرجان مراكش السينمائي.. نجوم ونقد وعودة متجددة

من المثير أن نذكر أن تلك الدورة الأولى كانت حافلة بالنجوم والأسماء الكبيرة. الممثلة شارلوت رامبلينغ قادت لجنة التحكيم. وبصرف النظر عن رأي النقاد في أفلام كلود ليلوش، فقد جرى الاحتفاء به جنباً إلى جنب الممثل العربي الراحل، عمر الشريف.

لافتٌ كذلك أن الجائزة الأولى ذهبت إلى فيلم «إن شاء الله يوم الأحد»، للجزائرية يامنة نبكيكي.

كذلك جدير بالذكر أن المثقفين والسينمائيين آنذاك، نظروا بحذر شديد حيال المهرجان على أساس أن التمثيل المغربي محدود، وفاعلياته ونشاطاته تتبع إدارة فرنسية، وليست محليّة.

استمرت هذه الشكوى لسنوات عدة، شهدت إصدار بيانات نقد وشجب. في الوقت الذي كانت فيه الدورة تنتقل تدريجياً من الشهر التاسع من السنة، إلى العاشر، ومن العاشر إلى الحادي عشر، حيث تمركزت وسط مهرجانَي القاهرة ودبي، رغم اجتماعات بين كل الأطراف لمنهَجَة زمنية لا تتضارب فيها المواعيد.

واستمر المهرجان بنجاح مطرد، حتى توقف سنة 2017، حيث قيل إن الإدارة الفرنسية تفكّر في تعديلات من شأنها العودة في العام التالي على نحو أكثر فاعلية. وحين عاد في العام اللاحق، 2019، بدا كما لو أن الأمور لم تتغير كثيراً. والمؤكد أن عودته بعد غياب سنة لم تخل به، بل زادت من حضوره. ورغم ذلك، كان لابد أن يغيب لعامين متواليين، قبل أن يعاود الإطلال بإدارته الجديدة في عام 2022 التي يمكن النظر إليها كتأسيس متجدد للمهرجان ولدورة هذه السنة.

لقطة من فيلم «عصابات»
لقطة من فيلم «عصابات»

إنتاجات مشتركة وخطوة للأمام لمهرجان مراكش السينمائي

الإطلالة هذا العام بمثابة خطوة أكيدة للأمام بالنسبة إلى مهرجان المغرب الأول. أربعة عشر فيلماً في المسابقة الرسمية، سبعة أفلام في قسم «الاحتفاءات» (Gala Screenings)، وسبعة عشر فيلماً في قسم «عروض خاصّة»، وثلاثة عشر فيلماً في قسم «القارة 11»، المخصص «للقاء بين السينما المعاصرة والكلاسيكية»، ثم ستة أفلام في قسم «بانوراما مغربية»، لمن يرغب في مشاهدة نتاجات هذه السينما مجتمعة، إلى جانب ما يعرض من أفلام مغربية في الأقسام الأخرى.

في الواقع، أحد اثنين محتفى بهما، تكريماً، هو المخرج فوزي بنسعيدي الذي، إلى جانب ما يرد في التعريف عنه في أدبيات المهرجان، وهو صحيح، تميّز عن كل أترابه المغربيين بانتهاج سينما تتميّز بحريتها في التعبير، منذ أفلامه الأولى «ألف شهر» (2003)، و«يا له من عالم رائع» (2006)، و«موت للبيع» (2011).

التكريم الثاني يعود إلى الممثل الدنماركي ماس ميكلسن. بفضل موهبته في الأداء بات وجهاً عالمياً مألوفاً، وبنجاح مستحق.

هناك تنوّع كبير في الأفلام المتسابقة هذه السنة. والمشكلة التي تواجه الناقد هو تحديد الدول التي ينبع فيلم ما منها. فمع تكاثر الإنتاجات التي تنطلق من دولة، وتصبّ في دول أخرى، لم يعد من الممكن الإشارة إلى أن الفيلم السنغالي «بانل وأداما» لرامات-تولاي ساي، هو سنغالي فقط، بما أن هناك تمويلاً فرنسياً فيه. كذلك الحال للفيلم الذي يحمل رايات فلسطينية وقطرية وبلجيكية وفرنسية، «وداعاً طبريا»، للينا سوالم. والنسبة الأكبر من هذه الأفلام التي تحمل أعلام دول مختلفة هو «ديسكو أفريقيا: قصة مالاغاديسية» للوك رازانجونا، فهو يتبع فرنسا ومدغشقر وألمانيا وقطر وجنوب أفريقيا وجزيرة موريتشوس، وعلى نحوه فيلم «مدينة الريح» لخاكفادولام بوريف- أوشير، فهو هولندي وألماني وبرتغالي ومغولي وفرنسي وقطري.

هذه ليست مشكلة مهرجان مراكش لكنه سيقدم على مبادرة رائعة إذا كان يحقق في مصدر الإنتاج الأصلي ويكتفي به.

في مطلق الأحوال اتجهت أفلام المسابقة إلى طرح قضايا أساسية عالقة تنهل منها السينما حكاياتها.. هي عن الجذور في «وداعاً يا طبريا»، وعن القضايا المعيشة في حاضر الأيام في قرى نائية «بانل وأداما»، والانقسام بين التقاليد والحداثة في أفلام عدّة، مثل «المهجع» للتركي نهير تونا.

وأحد الأفلام المغربية المنافسة في هذا القسم هو «عصابات» لكمال الأزرق. حكاية مسرودة بطبيعتها القاسية ومواقفها الكوميدية السوداء، كما كتبها ووضعها المخرج حول عملية قتل تقود صاحبيها لسلسلة من المشاكل، لكون الضحية مات بالسكتة، ولم يكن أصلاً الشخص المرغوب في قتله.

هناك مشاهد خلاّبة في هذا الفيلم تكشف عن موهبة جديدة في السينما المغربية.

مهرجان مراكش السينمائي.. دورة جديدة ناجحة وإنتاجات مشتركة
من فيلم «كذب أبيض»

في المسابقة أيضاً «كذب أبيض» للمخرجة أسماء المدير، التي وفّرت لجمهورها فيلماً تسجيلياً حول موضوع العلاقة بين الأجيال، ضمن الأسرة الواحدة.