14 ديسمبر 2023

محمد رُضا يكتب: مجلات لكل السينما

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

محمد رُضا يكتب: مجلات لكل السينما

تلعب الميديا، (على أنواعها)، أدواراً متعددة بالنسبة إلى صناعة السينما. هناك تخصصات مختلفة ضمن كل ما هو سينمائي، وفي أحيان هناك مصادر معرفية تجمع كل هذه التخصصات تحت سقف واحد.

يمكن تناول مجلتَي «ذا هوليوود ريبورتر»، و«فاراياتي»، كمثالين بارزين: كلتاهما تأسست قبل أكثر من 80 سنة. وكلتاهما لا تترك ناحية من نواحي العمل السينمائي إلا وتتحدث فيه. وكلتاهما تنطلق من مبدأ أن صناعة السينما تحتوي على كل شيء، وكل واحدة منهما تمارس كل هذه الأشياء مجتمعة.

تتناول هاتان المجلتان الأخبار. تنشران المقالات حول النجوم. تغطيان المهرجانات. تطرحان قضايا عن السينمائيين، وأخرى عن الأحداث السينمائية حول العالم. كلتاهما تحتوي على نقد سينمائي في الوقت ذاته.

هذه فضيلة من لا يرى فروقاً بين كل جوانب السينما. وللأسف ليس لدينا في العالم العربي ما يوازي ربع هذا الجهد. ما لدينا مجلات نقدية (قليلة لكن الشكر واجب على من يجهد في سبيل استمرارها)، أو خفيفة لا معنى لها إذا بقيت، أو اختفت.

فارايتي أرابيا

عندما استلمت رئاسة مجلة «فارايتي» في نسختها العربية كان لابد من الالتزام بمنهج المجلة الأم. رغم ذلك عززت الجوانب الجادة فيها تبعاً لثقافتي كناقد. لم أهمل الجوانب الأخرى، بل كان على المجلة أن تلتزم بالخط الأساسي لها.

استمرت المجلة لأكثر من عام، وبضعة أشهر، ولم تتوقف إلا لأن المعلنين العرب كانوا ما زالوا يتوجهون إلى المجلة الأصل على أساس أنها أوسع انتشاراً. يمكن تجاوز هذه العقدة لو أتيح للمجلة الاستمرار لسنة أخرى.

سنتان هما ما تطلبه أي مجلة قبل أن تسجل فشلاً، أو نجاحاً. أعتقد إن «فارايتي أرابيا» لو استمرت إلى اليوم لاستفادت- إعلانياً وتحريرياً- من كل هذا الزخم والنشاط الحاصلين على صعيد السينما العربية ككل.

لكن من اشترى رخصة «فارايتي» بالعربية لم يستطع ألاستمرار. وجدها مكلفة، ولم يكن في وارد انتظار عام آخر قبل أن يبدأ بتحقيق أرباحه منها. انسحب وتوقفت المجلة التي كانت فريدة من نوعها عربياً، وذات منهج معلوماتي لم يسبقها مثيل، له لا قبل صدورها، ولا بعد توقفها.

لم تخلُ الفترة من منغّصات: الناشر الذي جاء من ميدان المحاماة أراد، أكثر من مرّة، فرض طلباته ورؤيته على التحرير. ودائماً كنت أقول له ما يقوله أي مخرج سينمائي يحترم مهنته: «أنت المموّل. تضع في المشروع مالك فقط. إذا ما فشل التحرير في غاياته، لك أن تطردني». لم يفشل التحرير، لكن الناشر لم يستطع الاستمرار، على أي حال.

مجلات فنية عربية

باتت هناك مجلات سينمائية، كما كنا ننادي دائماً في هذا الركن من العالم. هناك اثنتان في العراق، وواحدة في السعودية، وواحدة في مصر.

هذا رائع جداً، إذ إن ما تتيحه المجلة المتخصصة في السينما لا يمكن إتاحته على الموقع نفسه، بالفائدة ذاتها. وكنا شاهدنا تحوّل بعض المجلات الأمريكية العريقة إلى مواقع التواصل (غير الاجتماعي ربما كانت كلمة أكثر ملاءمة للواقع)، مثل «فيلم كومنت» و«فيلمز إن ريفيو» و«حواس السينما» (Senses of Cinema )، ثم كيف انسحب بعضها حتى عن الإنترنت، واعتمدت أسلوب المراسلات البريدية، لأنها لم تستطع تحمّل المزيد من الخسائر المادية.

ومن حسن الحظ، أن هذا المصير محدود حتى الآن، وما زالت هناك، في العالم الغربي، عشرات الإصدارات الورقية، أو على الإنترنت، لسبب بسيط هو أنه ما زال هناك قراء.

في عالمنا العربي نسبة القراء المتخصصين لا تصل إلى تلك التي في بريطانيا، أو فرنسا، أو الولايات المتحدة، ما يعني أن هذه الجهود العربية لإصدار مجلات سينمائية تحتاج إلى إعادة نظر في الكيفية التي تتواصل بها مع القراء.

والواقع، أن الثقافة لا يمكن محاكمتها بميزان التجارة، لكن يمكن توظيف إمكاناتها لفتح المجال أمام استقطاب القرّاء عبر اعتماد مصادر تمويل مختلفة. الدعم الحكومي لن يكون أكثر بكثير من بضعة آلاف دولارات في الشهر، وهذا ليس سبباً على الإطلاق يحول ضد ضلوع المؤسسات في هذا المنهج على نحو يناسب الإنسان المعاصر.

مشكلة المجلات المتواجدة هي الخبرة الصحفية. لا يمكن حشر مقالات لا تمت إلى المناسبات الآنية. والتحقيقات يجب أن تكون حدثية لسهولة إدخال المواد الأخرى غير الحدثية. وكلفة الإنترنت، رخيصة لكنها ليست مصدر فخر لأحد. هي نتيجة لافتقار الأسواق التي بتضافر الجهود وبتوفير مصادر الدعم، تستطيع أن تواصل رسالتها على النحو الذي كانت تتمناه أساساً.