بدأ الإنسان في العصر الحجري الكتابة بالحجر نفسه، رسماً ونحتاً، لما يريد التعبير عنه، كما تؤكد الاكتشافات التي توزعت ما بين مصر وإسبانيا وفرنسا، وسواها.
بعد ذلك استخدم الفحم، والحبر، وإصبعه في رسم الكلمات. وفي القرن الميلادي الثالث تم استخدام العظام الرقيقة للكتابة. وعلى أيام أبو العلاء المعري، وابن خلدون وأوسكار، وايلد، وويليام شكسبير، كانت هناك الريشة المغمّسة بالحبر الوارد من الصين.
ثم تحرك العِلم خطوات إلى الأمام، متدخلاً بين الدماغ والورقة، فصنع للإنسان الآلة الكاتبة. ككل شيء آخر، جاء الاختراع كبير الحجم، ثم تم تصغيره لكي يستطيع الكاتب الانتقال به إلى غرف فنادق أوروبا، ذات الجدران الرقيقة ليزعج جاره بصوت النقر العالي على الآلة في الساعة الثالثة صباحاً، إذا لمعت في رأسه فكرة. رغم ذلك كان حلاً عملياً لمن يشبه خط يده خربشة بقدم الدجاجة.
ثم جاء الكومبيوتر، وكان بدوره كبير الحجم، لا تملكه إلا الدول المتقدمة مثبتاً على الجدران وبكابلات حمراء وزرقاء وصفراء تخرج منه وتتوزع في أرجاء المؤسسات الحكومية، خصوصاً السريّة. بعد ذلك تم تصغيره خدمة للشعب وللمؤسسات الإلكترونية طبعاً، فأقبل الناس عليه أيّما إقبال.
والفكرة هنا هي كم نحن محظوظون إذ بتنا نستخدم آلة تضغط على أزرارها فتطبع رسالة. زر آخر يرسلها إلى من تتوجه إليه. تضغط على أزرارها فتكتب رواية، أو سيناريو فيلم، أو حتى لائحة بالمشتريات التي ستذهب إلى السوق بها.
لكن الحظ ليس كل شيء. يكفي أن ننظر إلى ما خسرناه في المقابل. كثير.