ظهر نابليون بونابرت في السينما منذ عهد الأفلام الصامتة، وصولاً إلى النسخة التي وفّرها مؤخراً، المخرج ريدلي سكوت، والتي تختلف عن كل فيلم سابق.
ينضم فيلم «نابليون» إلى شغف المخرج ريدلي سكوت بالأفلام التاريخية التي قام بإخراجها طوال عقود. من Duelists في التسعينات، مروراً بـفيلم «1492: غزو الفردوس» (1492:Conquest of Paradise) حول حرب الاستقلال الأمريكية، و«مملكة السماء» Kingdom of Heaven، وصولاً إلى فيلمه الحالي «نابليون».
ينصرف «نابليون» لسرد مجموعة أحداث وقعت على النحو الذي نراه، لكن ليس بتفاصيل هذا النحو. وهناك أسباب درامية بالغة الأهمية لذلك.
المشهد الذي نرى فيه إعدام الملكة أنطوانيت مرتبط عضوياً، بالأجواء التي عايشها نابليون في فرنسا خلال تلك الفترة التي شهدت الثورة ضد النظام الملكي، ثم الثورة على الحكام الجدد الذين بدأوا بقتل النخب الأدبية والسياسية، من دون رادع، ثم كيف انقلب الحال إلى محاكمة القادة الجدد. نظرة نابليون غير المكترثة إنما تأكيد على فهمه العميق، حسب الفيلم، لمجريات الأمور. وعندما يسند إليه السياسي بول باراس (طاهر رحيمي)، منصباً على أكتاف تلك الثورة يشكره نابليون، وينصرف.
المخرج مع بطل الفيلم
لا داعي، عند ريدلي سكوت، لخطب، أو مشاهد تطول لتشرح شيئاً. هو قادر على شرحها باقتصاد، بتوليف يحافظ على الإيقاع إن لم يكن باختياره فلأن الفيلم من ساعتين ونصف الساعة، ولا يجوز الإخلال بإيقاعه.
طوال الفيلم (باستثناء مشاهد معيّنة، كمشاهد الحروب) يحافظ فينكس على الطريقة التي اعتمدها لتشخيص نابليون. مفكّر، مُلاحظ، يحرص على عدم البوح بمكنونات صدره، ويحافظ غالباً على مستوى واحد من التعبير. على ذلك، يستطيع المرء فهم مكنونات ذلك الهدوء، وقراءة دواخل الشخصية بوضوح، وكل ذلك بسبب براعة الممثل، وموهبته، وثقة المخرج به.
يتيح الفيلم لمشاهديه جانبين من حياة نابليون: الجانب العاطفي والجانب العسكري. وفي حين أن العديد منا يهتم بالجانب الآخر لكونه يعني القتال، والمعارك، والعنف الذي لا مجال لدرئه، فإن الجانب العاطفي هنا لا يقل أهمية. فنابليون يحب زوجته جوزيفين (فانيسا كيربي)، لكن المخرج لا يعتبر العلاقة بينهما عاطفية، جسدية وليس من أجل الحب. المشاعر بينهما تشبه صراعاً حول الفعل المادي للحب، وليس الرومانسي. وهو يبدأ وينتهي في لحظات. هو أقرب إلى مبارزة منه إلى حب. يحاول المخرج الإيحاء بأن دوافع نابليون العسكرية هي ردّات فعل لهزيمته أمام امرأته التي ارتقت على حساب عاطفته.
كانت جوزيفين خرجت من السجن الذي وضعتها فيه قيادة الثورة الفرنسية. تم إعدام زوجها، ثم إخراجها من السجن، والسؤال يبقى معلقاً في الفضاء حول ما الذي جعلها تقبل بنابليون زوجاً. حبّه المعلن لها؟ رأت فيه مستقبل فرنسا؟ احتاجت إلى الشعور بأنها محمية من غدر محتمل؟ هذا لا يتضح في الفيلم، ربما لأن كل تلك الأسئلة تؤدي إلى جواب واحد.
سعي ريدلي سكوت للربط بين محاولة نابليون إثبات استحقاقه حب زوجته له بالحرب، ناجحة وليست نظرية. ليست منطوقة على هذا النحو بل مستنتجة، وطريقة استنتاجها هي تفعيل مشاهد متبادلة بين الناحيتين، العاطفية والحربية، ولو إنها ليست متوالية (مشهد من هنا ومشهد من هناك).
الجزء الأكبر من «نابليون» هو الجزء الحربي. في مشاهد نابليون وجوزفين معاً، ينجح سكوت في توفير معادلة مثيرة للانتباه وترتبط بمحاولة جوزفين هدم كبرياء الرجل، حتى بعدما عيّن نفسه إمبراطوراً، وأصبحت هي بمثابة السيدة الأولى.
مؤلم ما يوعز الفيلم بما فعلته به جوزفين، ومؤلم حين ينتهي نابليون وقد خسر حبه، وطموحاته، وحريّته، إذ أودع السجن في جزيرة سانت هيلينا (مات فيها بعد ست سنوات).