في ليلة ظلماء، تعرّضت مخازن جمعية «النجدة الشعبية» في فرنسا للسّطو. كانت الجمعية جمعت المئات من صناديق الطعام المعلّب، والحليب المجفّف، وأكياس الطحين، والملابس الصوفية، ومساحيق الغسيل، والصابون، وحفاظات الأطفال، وغيرها من المؤن لتوزيعها، كالعادة، على العائلات المحتاجة، وعلى الذين يبيتون في خيام مرتجلة، أو حتى في العراء.
حدث ذلك عشية عيد الميلاد. وهي ليست السرقة الأولى من نوعها، فقد سبق وأن تسلّل اللصوص إلى مخازن جمعية «مطاعم القلب» التي تؤمّن الملايين من الوجبات الغذائية الساخنة للفقراء في الشتاء، أي لأولئك الذين لا يملكون ما يسمح لهم بإيقاد نار للطبخ في البيت، أو ممّن يعيشون تحت الجسور، وعلى أرصفة المحطات. ولأن للفقير كرامة، فقد كانت وسائل الإعلام، في بلدي، تطلق على تلك الفئة من المواطنين تسمية «العائلات المتعففة».
في بلادنا، كان الطيبون، وأهل الكرم، يتكافلون فلا يموت فرد من جوع. وحين جئت إلى فرنسا أصابتني الدهشة، وأنا أرى طوابير المشردين تمتد في السادسة والنصف كل مساء، تحت جسر المترو المقابل لبيتي، لكي يحصل كل منهم على طاسة شوربة، وتفاحة، وكوب قهوة. غير أن ما حدث قبل أيام ليس حادثة سطو عادية. فاللصوص لم يحملوا معهم غنائمهم، بل اكتفوا بتخريب المواد التي كانت في المخازن، وتكسيرها، وتمزيقها بالسكاكين، وتدمير الشاحنات الصغيرة التي تستخدمها الجمعية في توزيع الإعانات على المحتاجين. هذا فعل كراهية من قلوب سوداء لا تحب الخير للناس. أيّ ضمير يملك هذا الذي يمنع اللقمة من الوصول إلى أفواه الجياع؟
قبل سنوات، دار في بالي السؤال نفسه حين كنت أعمل في مجلة عربية تصدر في باريس. لقد نشرنا حملة للتبرعات لمساعدة عدد من العمال المهاجرين على أداء فريضة الحج. تم الاتصال بأئمة المساجد، ووضع قوائم بمن يستحقون تلك المساعدة، وتسجيل الأسماء، والعناوين، واستصدار تأشيرات السفر لهم، والقيام بالحجوزات المطلوبة في الطائرات والفنادق. لكن أحدهم سرق الحصيلة قبل موعد السفر. كيف يمكن لبشر أن يمدّ يده لمال إنسان يشتاق لزيارة قبر الرسول؟
هذا الصباح، استمعت إلى مقابلة في نشرة الأخبار مع رئيس جمعية «النجدة الشعبية»: سأله المذيع عن تفسيره لهذا النوع من السطو التخريبي المجاني، فأجاب الرجل: «سنفكّر في هذا من بعد. أما الآن فلابد من حملة لتعويض ما أفسده المهاجمون. لن نترك المحتاجين يستقبلون العام الجديد وهم حزانى».
أتذكّر قول السيد المسيح: «طوبى للحزانى لأنهم يتعزّون». فما أكثر الحزانى في هذه الأيام القاسية الظالمة! وأيّ عزاء لكل تلك الأكفان في غزة؟ واسمحوا لي أن أحيد عن الموضوع الذي بدأت به المقال. فكل الطرق في ضمائرنا تؤدي إلى غزة.