02 يناير 2024

فيلم The Holdovers.. رحلة مع شخصيات من سبعينات القرن الماضي

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

فيلم The Holdovers.. رحلة مع شخصيات من سبعينات القرن الماضي

وسط ركام الأفلام الحديثة التي تتناول الأديان (المسيحية أساساً)، وتضع المُشاهد، رضي أو لم يرضَ، أمام مفادات مقصودة بذاتها لتوفير طاقة من التمييع للأساسيات الأخلاقية، يأتي فيلم المخرج المستقل والموهوب ألكسندر باين الجديد «المستمرون»، مختلفاً، من حيث إنه يحفل بالمواقف التي تجعل مشاهدته تجربة إنسانية وروحية راقية، ويحمل الحنان، كما النقد والطرافة.

المخرج ألكسندر باين
المخرج ألكسندر باين

ألكسندر باين ليس في وارد التصدّي والانتقادات لما تتوجه إليه الأفلام الحديثة الأخرى، لكنه يعيد تشغيل المحرك الروحاني الذي انطفأ منذ بضع سنوات.

كعادته، ينطلق المخرج ألكسندر باين من حبكة صغيرة تكشف عن أوضاع وأبعاد أكبر حجماً. في هذا الفيلم هناك أستاذ التاريخ القديم «هونام»، الذي لا يحبّه أحد. ملتزم بالتفاصيل. يهجو ويسخر من طلابه، وينتقدهم، وعندما يوزّع عليهم نتائج الامتحان فإن المشترَك بين معظمهم هو العلامات المتدنية.

فيلم The Holdovers.. رحلة مع شخصيات من سبعينات القرن الماضي

هناك استثناء واحد من نصيب الطالب «تولي» الذي، رغم تفوّقه، لا يطيق هذا الأستاذ المتذمّر، والخالي من اللطف، والذي يتفاخر بمعلمه ومعلوماته. مدير المدرسة أول من يخبره بإن عليه أن يتغير، لكي ينجح أن يكون إنساناً في المقام الأول. لكن «هونام» لا يعرف كيف يكون شخصاً آخر. والفيلم ينتهي به وقد تحوّل جزئياً عن شخصيّته السابقة من دون أن يتخلّى عنها تماماً.

فيلم The Holdovers.. رحلة مع شخصيات من سبعينات القرن الماضي

ما يحدث هو أن المدرسة اختارته لكي يبقى في تلك المنطقة الثلجية المنعزلة، مع خمسة طلاب آخرين، رغم عطلة الكريسماس. لاحقاً يتم ترحيل أربعة ليبقى «تولي» الذي لا يطيق «هونام»، و«هونام» الذي لا يطيق أحداً.

في تلك المدرسة هناك الطبّاخة الأفرو-أمريكية «ماري»، والكنّاس الذي يحاول التقرّب منها، لكنها مصابة بحزن شديد لكونها خسرت زوجها ثم ابنها («لم يطبّق أحدهما الرابعة والعشرين من العمر»، كما تقول).

لكن «هونام»، كما يؤديه ببراعته السامية، بول جياماتي، هو المحور. إنه أفضل شأناً مما يعتقده الجميع. يستطيع أن يكون بالغ اللطف والكياسة، وبفضل «ماري» (دافين جوي راندولف) و«تولي» (دومينيك سيسيا) يبدأ بالتغيير، مستعيداً ذلك الجانب الإنساني المفقود.

فيلم The Holdovers.. رحلة مع شخصيات من سبعينات القرن الماضي

هناك محطات كوميدية، لكن الأغلب هو الحزن الذي يعيشه الجميع، كل واحد من هؤلاء الثلاثة، منفصلاً. أو كما يقول «هونام» في حوار له: «حاولت ألا أكون وحيداً وفشلت. أعتقد أني أحب وحدتي». العقدة التي تسهم في توفير أسباب التغيير، والتغيير المقابل من ناحية «تولي» كذلك، ستبقى هنا طيّ الكتمان حتى لا تحترق، لكنها مادّة مستفيضة، بالشجون والمفارقات. المخرج باين يمنح الفيلم نوستالجيّته أولاً من خلال أن الأحداث تقع في السبعينات، وثانياً من خلال أن هناك عودة إلى السينما الفنية التي وفّرتها هوليوود في ذلك الحين، وثالثاً من خلال الموسيقا وانتخاب أغانٍ من الفترة.

فيلم The Holdovers.. رحلة مع شخصيات من سبعينات القرن الماضي

اختيار فترة الكريسماس ليس احتفاء بالثلج وأغاني المناسبة فقط، بل أساساً لإعادة الحياة إلى ترانيم جميلة، وإضافة أجواء هي مزيج من الفرح والحزن، معاً. هذا فيلم أساسي لباين الذي سبق وتعامل مع بول جياماتي في «جانبياً» (Sideways) قبل 19 سنة.