إنها تمتلك كل مقومات النجومية: الشباب، والقوة البدنية، والموهبة الرياضية، والجمال، عدا عن أنها امرأة أفغانية لجأت إلى فرنسا لتواصل تدريبها، وتحلم بمستقبل أفضل لبنات جنسها، في بلد يغرق في العتمة.. هذه هي بطلة التايكواندو، مرضية حميدي، التي تلاحقها الكاميرات في ملاعب التدريب، وخارج الملاعب. هل تخوض أولمبياد باريس في الصيف المقبل، وتحت أي علم؟
صوت مرضية حميدي في باريس
في بلدة فنسين، الملاصقة لباريس، هناك لاجئة من نوع مختلف. إنها ليست امرأة شرقية مهيضة الجناح، جاءت تطلب تحصيل لقمتها في أوروبا، بل هي شابة قوية، قادرة على أن تصرع أضخم جثة بركلة من قدمها. هذه هي مرضية حميدي، الأفغانية التي كانت بطلة رياضية في بلدها، وتأمل أن تحقق بطولات أكبر في منافسات عالمية.
هي بالنسبة إلى الصحافة صيد ثمين. فقد لاحقت الكاميرات الشابة ذات العشرين ربيعاً، وأوشكت أن تجعل منها نجمة تعرض الأزياء، وتستعرض شعرها الطويل، وعينيها الكحيلتين. وقد نشر بعض الصحف صوراً لها ما بين حجابها في كابول، وبين ارتدائها سروال الرياضة في باريس. لكن مرضية عرفت كيف تقوم بدورها في اللعبة، من دون أن تقع في الفخ، وتنحرف عن هدفها الأهم: كؤوس البطولات. هي اليوم ضيفة على بلدة فنسين، يعرفها معظم الأهالي، وتحظى برعاية من عمدة البلدة شارلوت ليبير ألبانيل. وهي تدعى إلى ندوات للحديث عن الأوضاع في بلدها، بحيث صارت من الأصوات الداعية لرفع الظلم عن الأفغانيات.
مرضية حميدي بزي منطقتها
وصلت مرضية إلى أوروبا في إطار «عملية أباجان»، وهي اتفاقية سمحت بإخراج نحو 3 آلاف شخص من كابول في صيف 2021. وفي ربيع العام الماضي، قررت بلدية فنسين استقبال البطلة الأفغانية بشكل رسمي، والاحتفاء بها، وهي تبدو اليوم سعيدة بمكانها الجديد، من دون أن يفارق القلق عينيها على مصير رفيقاتها هناك. هذه هي حال المهاجر واللاجئ، لا ينعم بالطمأنينة، ولا يستطعم لقمة، طالما أنه ترك وراءه أهلاً، ورفاقاً، وأقارب، مهددين وفي حالة عوز. تقول إن أخاها الذي كان تاجراً معروفاً قبل عودة طالبان إلى الحكم، ما زال سجيناً هناك، أما شقيقتها فقد فرّت إلى تركيا، وقد خرج والداها إلى باكستان. لقد تمزقت العائلة، وهي تأمل أن يجتمع الشمل ذات يوم، ولا تتوقف عن التفكير فيهم.
أول ما لفت انتباه البنت الأفغانية هو أن المدن في أوروبا ليست «ساكنة وصامتة»، وأن الحركة تستمر فيها ليل نهار. وهي تعتبر نفسها مهاجرة نشأت في دول عدة، كبُرت في إيران، ثم عاشت سنتين في أفغانستان قبل عودة طالبان. لقد هاجموا مكتب شقيقها ثم داهموا بيتهم، لكنهم لم يعثروا على الوالدين والبنتين لأنهم كانوا غادروا قبل المداهمة. ومرّوا خلال هروبهم بأربع محطات. المحطة الأخيرة لمرضية حميدي كانت فنسين، البلدة التي شاركت في عملية إغاثة المواطنين الذين تم ترحيلهم من كابول. وقد كان لتوجهات عمدة البلدة دور في نصرة نساء أفغانستان، لأنها بلدة تتمتع بروح التضامن. وقد سبق للبلدة أن استقبلت عائلة من سوريا، وسرعان ما انسجم أفرادها مع المحيط العام. وفي ما يخص مرضية، فقد بذل أهل البلدة جهداً لكي يحيطوا بها، ولا يتركوها تشعر بالغربة، وهو استقرار سمح لها بأن تحلّق بجناحيها سريعاً، وأن تتعرف إلى ساحات الرياضة، وتتفرغ للتمارين.
مرضية حميدي .. ميداليات ذهبية وناشطة
اكتشفت مرضية رياضة التايكواندو عندما كانت تبلغ من العمر 15 عاماً. والبداية كانت في إيران. فقد كانت لديها صديقة تلعب ضمن الفريق الوطني، ودعتها لمشاهدة إحدى المباريات. كانت تجربة أدهشتها، فقررت أن تسجل في نادٍ للتدريب، وأن تجعل من الرياضة محور حياتها. تصور أهلها أنها مجرد هواية، لكن تقدمها السريع أذهل الجميع. فقد انتقلت الأسرة إلى أفغانستان ونالت مرضية 6 ميداليات ذهبية، وواحدة فضية، وواحدة برونزية. وكان ذلك في نطاق مباريات محلية، ثم قومية. لقد انضمت إلى المنتخب الوطني الأفغاني عام 2021..
تقول «عندما أتمرّن، أشعر كأنني أفرغ كل الهموم من رأسي. أجد حولي من يقول إن الرياضات القتالية لا تناسب الفتيات. وأنا أريد أن أتحداهم، وأثبت لهم العكس». وقد بدأ التحدي في أفغانستان، حين رفضت مرضية اللعب وهي بالحجاب، ولم تتنازل عن السروال الرياضي الضيق. كانت تشعر بأن المتفرجين ينظرون لها كلعبة مسلية، وليس كإنسانة، لكن تلك النظرات الهازئة لم تثبط عزيمتها. وفي تلك الأيام الصعبة، لم يكن نشاطها مقتصراً على الرياضة، بل خرجت في التظاهرات التي نظمتها النساء ضد سلبهن حقوقهن في الدراسة وفي العمل.
مع عمدة مدينة فنسين الفرنسية
وتحاول اللاجئة البطلة أن تنخرط في الفرق الرياضية الفرنسية. وهناك اتصالات مع المشرفين على رياضة التايكواندو لضم مرضية إليهم، ورفع مستوى تدريباتها. إن الوقت ضيق من هنا حتى الصيف المقبل لكن هناك أمل بجعلها لائقة ومستعدة للمشاركة في الألعاب الأولمبية التي تستضيفها باريس. وهناك مجمعات رياضية تم بناؤها في غابة فنسين، خصيصاً للأولمبياد. ومن جانبها، فإن الطموح لا يعرف حدوداً، وهي تقول «أتمنى أن أحقق هذا الحلم وأكون أول بطلة أولمبية أفغانية، حتى ولو كنت بعيدة عن وطني». هذا معناه أنها تنوي المشاركة تحت راية علم بلدها الأم.