9 يناير 2024

محمد رُضا يكتب: احترام الظلام

ناقد ومؤرخ سينمائي

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

محمد رُضا يكتب: احترام الظلام

الظلام هو شرط من شروط مشاهدة الفيلم. ضوء جانبي صغير، والصورة تختلف. الظلام يختلف، ولسبب بسيط ومهم: لقد تجالس مدير التصوير وفريق عمله والمخرج فيما بينهم، طوال ساعات، لتأسيس سياسة ضوئية للفيلم.

بحثوا عن حلول لمشاكل محتملة، وعن كيفيات لتأمين وصول غاية المخرج لمشاهده. «أريد إضاءة طبيعية في هذا المشهد في الكوخ، في الوقت ذاته أريد وجه الممثل واضحاً». يطلب المخرج وينطلق مدير التصوير وفريقه للبحث في كيفية تأمين هذه الرغبة التي تبدو على شيء من التناقض. ما الذي يتطلّـبه أمر تنفيذها، وما هي العوائق؟ ما هي العدسات وما هي حساسية الفيلم؟ وما هي الشروط الفنية الأفضل لتأمينها؟

كل هذا يقع خلال التصوير. ثم يأتيك من يفتح هاتفه النقّـال في وجهك أو- الأنكى- اللاب توب الذي يحمله. إنه جهل وانعدام حس وذوق، لكنه ليس قائماً لوحده، بل تابع لحالة منتشرة مثل الفطائر السامّـة في حقل محظور. العصر الذي نعيشه بات خطراً على السينما، وعلى الإبداع، وعلى ما يجعل المخرج فنّـاناً، وليس راصفاً للصور.

ككل شيء آخر، هناك حسنات وهناك سيئات في كل مستنبط عصري. الهاتف المحمول يوفّر عليك البحث عن هاتف عمومي في أبسط الحالات. في أعقدها يمنحك حرية التواصل من أي مكان وزمان. لكن هذا لا يعني أن تدخل صالة السينما وبالك مشغول بمن كتب لك كلمة، أو بعث إليك بصورة. أنت في حضرة السينما يا أستاذ، ويا أستاذة، وعليكما أن تختارا، إما احترام المكان، وإما الخروج من الصالة، حيث لكما حرية فعل ما تريدان.

 

مقالات ذات صلة