09 يناير 2024

إنعام كجه جي تكتب: شابة في العمل

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس

إنعام كجه جي تكتب: شابة في العمل

قد يكون عمرك تجاوز الخمسين. وأنت تعملين في المؤسسة نفسها، منذ إنهائك الدراسة. أو أنك معلمة قديمة في مدرسة من المدارس. تمرّ السنوات، وتتجدد الأجيال. يأتي موظفون، وموظفات ومعلمات شابات، في سنّ أبنائك وبناتك. قد يسأل سفيه منهم: ماذا بقيت هذه الأنتيكة تفعل هنا؟

كيف تحافظين على شبابك الوظيفي ولا تتحولين إلى أنتيكة؟

هذا هو موضوع الكتاب الصادر حديثاً في باريس للمؤلفة ناتاشا جيكوفسكي. وفي فرنسا تقول الإحصاءات إن نصف النساء يتوقفن عن العمل بعد سن الخامسة والخمسين. وهي سنّ تعتبر صغيرة بالمقارنة مع العمر الأدنى للتقاعد، والمحدد بـ67 عاماً. وهو موضوع مسكوت عنه، لا يحب الفرنسيون الخوض فيه، والسؤال عن أسبابه. لماذا يواصل الرجال العمل وتتوقف النساء، في حين أنها السنّ التي يكون فيها الأبناء كبروا، وما عادوا أطفالاً يحتاجون إلى رعاية الأم في كل وقت؟

في العالم الصناعي، تبحث الشركات عن موظفين وموظفات في الثلاثينات، والأربعينات، من أعمارهم. إنها سنّ النشاط والحيوية، وامتلاك المبادرة والعثور على الأفكار الجديدة. لكن فرنسا ما زالت متخلفة على صعيد المساواة في الرواتب بين الجنسين. وكلما تقدمت المرأة في المهنة، وارتقت في الدرجة الوظيفية، زادت الفجوة بين مرتبها، ومرتب زميلها الذي يساويها في الدرجة، ويقوم بالعمل نفسه، ويحمل المؤهل الدراسي نفسه. إنها تتقاضى مرتباً يقل عنه بنسبة 12 في المئة.

وتشغل الفرنسيات اللواتي تجاوزن الخمسين نسبة 14 في المئة من الوظائف العليا، والمتقدمة. في حين يشغل الرجال من السنّ نفسها نسبة 23 في المئة. والدولة تراقب وتنشغل بتشكيل اللجان بعد اللجان، على أمل حلّ المشكلة. فهناك في فرنسا وزارة خاصة للمساواة بين الجنسين، مهمتها تذليل كل العقبات التي تمنع المرأة من نيل حقها مناصفة. مع هذا، فإن الفرنسيات غير مرتاحات للاستمرار في العمل الوظيفي بعد سنّ معينة. هناك ظلم في المعايير. وكثيرات منهن يبادرن إلى تأسيس شركاتهن الخاصة لكي يواصلن ممارسة تخصصهن من دون أن يدعس زميل على أقدامهن.

وبالنسبة إلي، ليس هذا هو الموضوع، بل كيفية الحفاظ على ذهن متجدد وسط هجمة الأجيال الجديدة من الشابات، إنهن آتيات من جامعات حديثة، محلية أو غربية، ويُجدن اللغات الأجنبية بطلاقة، والتعامل مع كل وسائل التقنية الرقمية. أيديهن تنقر على الشاشة بأسرع من الكتابة بالقلم على ورقة. يفهمن المطلوب منهن «على الطاير»، ولا يتلكأن في التنفيذ. لا ثقل في المعدة، ولا صداع، ولا وجع في الركبتين. لكن إنجازهن لن يضاهي إنجازك لأنك تمتلكين جوهرة نادرة، اسمها الخبرة.

نفهم من الكتاب أن الحفاظ على عقلية شابة في العمل يعني ألا تغلقي حواسك وعقلك عن رؤية كل ما هو جديد، ومحاولة تعلّم ما تأتي به التكنولوجيا. والأهم من هذا، استقبال الزميلات الشابات بعين الرضا، والتغاضي عن هفوات البدايات، بدل اقتناصها للتقليل من شأنهن لدى الإدارة. لا تعزلي نفسك، بل انخرطي في عالمهن. ولا تتساهلي في مظهرك، وزينتك، ونعومة يديك، وجمال أظافرك. لا تسمحي لأيّ كان بأن يعتبرك «دقة قديمة»، لأنك بالفعل شابة في رأسك، وفي إقبالك على الحياة، لاسيما في ثروتك من الخبرة.. إنها الوحيدة التي لا يمكن الحصول عليها بالشهادات الدراسية، بل لابد من تراكم الزمن، ومن شعرة بيضاء هنا، أو هناك.