21 يناير 2024

محمد رُضا يكتب: طالع.. نازل و"جنّابي"

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

محمد رُضا يكتب: طالع.. نازل و

كنّا نحو 400 شخص ينتظرون مترو مطار هيثرو، لكي ننتقل من القاعات إلى البوّابات. هناك عطل في أحد تلك المتروات، لذلك كان الجميع بانتظار الثاني. لم أسعَ لأحصي عدد المنتظرين، لكن التقدير هو الرقم أعلاه. لم يكن العطل بسيطاً، لأن الحشد كان كبيراً.

معظم هؤلاء كانوا قلقين إن تأخروا قد تفوتهم الطائرة، لذلك أول ما اقترب القطار احتشد الناس على بواباته. وما أن تم فتح أبواب القطار حتى سارعوا إلى الدخول.. كلّهم ما عدا الفتاة التي أمامي.

كنت في وضع محرج. إلى اليمين سيدة التصقت بي. إلى اليسار رجل بوزن سيارة، لذلك كان من الصعب عليّ أن أتجاوز تلك الفتاة، أو أطير فوق رأسها.

ليس لأنها كانت لا تستطيع الاستعجال، بل كانت مشغولة على الهاتف. إصبعها على الشاشة طالعة نازلة و«جنّابي». العالم كله ليس مهمّاً لديها.

في النهاية لم أحتمل، فقلت لها: «إذا كنت مشغولة بهاتفك، تستطيعين انتظار المترو الآخر. أما أنا فعليّ أن آخذ هذا المترو».

نظرت إليّ، ولم تقلْ شيئاً، ولم تستعجل أيضاً. خلال ذلك انزاح جبل الجليد الذي إلى يساري فسارعت إلى تجاوزها، وكنت آخر من دخل القاطرة قبل أن يُغلق الباب.

وقبل أن ينطلق بلحظات، نظرت إليها وجدتها كما لو أنها مستاءة من أن القطار فاتها. ابتسمت، لكني أيضاً تساءلت عمّا فعلت بنا تلك الهواتف الصغيرة.

هي في كل مكان، والكل مشغول. كنت تركب متروات المدينة وحافلاتها فتجد أغلبية الركاب يقرأون الصحف، أو المجلات، أو الكتب. الآن نادراً من يقرأ مطبوعة. إصبع كل واحد على الشاشة... طالعة... نازلة، و«جنّابي».