فتاتان تعرّفتا إلى بعضهما بعضاً عبر موقع للتواصل الاجتماعي، وتوطدت علاقتهما إلى أن أصبحت صداقة مُتقاربة جداً، لكن هذه الصداقة سرعان ما تتحول إلى عداوة كبيرة بين الطرفين تنتهي في أروقة المحاكم.
«الدَّين» كان السبب وراء اشتعال نار العداوة بين الفتاتين، والذي تحول إلى رسائل تهديد بالاعتداء، والسب، والقذف، وفقاً لتفاصيل القضية التي اطّلعت «كل الأسرة» على أحداثها من حكم قضائي.
تتهرب من سداد الدين
تعود بداية أحداث القضية إلى أن الفتاة «ض.ت» تعرفت إلى الفتاة «ن.ك»، عبر موقع للتواصل الاجتماعي، وتطورت العلاقة بينهما مع مرور الزمن، إلى أن أقدمت الثانية على أخذ مبلغ من المال من الأولى كدَين.
لم تستطع الفتاة «المَدينة» ردّ الدَّين في الوقت المناسب، وأخذت تتهرب من السداد نتيجة عدم قدرتها على الإيفاء بالمبلغ، ما أدى إلى جنون وغضب «الدائنة» التي سرعان ما اتخذت مساراً غير قانوني من أجل استرداد حقها، فبدأت باستخدام تطبيق التواصل الاجتماعي «واتساب» بطريقة غير سليمة.. وهنا وقعت في المحظور.
رسائل تهديد عبر الـ«واتساب»
بدأت «الدائنة» بإرسال رسائل تهديد عبر تطبيق «واتساب»، إلى صديقتها «المَدينة» لها بالمال، حيث كتبت في إحداها «سأجدك بغضّ النظر عن المكان الذي تذهبين إليه، حتى لو في السماء، لا يمكنك الاختباء، يمكنك الابتعاد، وإذا لم يتم العثور على والدتك سأجد جدتك، وإن لم تكن جدتك سأذهب إلى زوج أختك... سألعب معك حتى النهاية».
رسائل أخرى أرسلتها «الدائنة» إلى «المَدينة» هددتها فيها بالتوجه إلى موطنها، وزيارة منزلها، والاعتداء على عائلتها، عبر إرسال أحد الأشخاص لتنفيذ هذه المهمة.
لم تتوقف الرسائل عند هذا الحد، بل استمرت في مضمونها الذي يتضمّن أيضاً عبارات سب وقذف لها علاقة بالشرف والعِرض، ما زاد من تورّط «الدائنة» في قضية جنائية، بدلاً من اللجوء إلى الجهات القانونية للحصول على حقها.
كانت «الدائنة» تطلب في كل رسالة إعادة المال إليها، وفي ظل الرسائل المُتكررة أصاب «المَدينة» الخوف والرعب من خطر تهديد حياتها الشخصية، وحياة أسرتها.
«متهمة» بسبب التهديد والسّب
لجأت الفتاة «المَدينة» إلى الجهات الشرطية المُختصة عارضة كل رسائل التهديد التي تلقتها من صديقتها الدائنة، فأقدمت الشرطة على اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحقها في هذا النوع من الرسائل المُخالف للقانون، وهنا، ورّطت الدائنة نفسها في قضية جنائية، فبدلاً من أن تكون صاحبة حق أصبحت «متهمة».
عقوبة رسائل التهديد.. حبس وغرامة
استناداً إلى رسائل التهديد والسّب، رفعت النيابة العامة لائحة اتهام بحق «الدائنة» إلى الهيئة القضائية في المحكمتين، الابتدائية والاستئناف، موجّهة لها تهمة «تهديد المجني عليها من خلال رسائل الـ«واتساب»، وذلك التهديد مصحوباً بطلب وهو إعادة المبلغ المالي».
وطالبت النيابة العامة وفقاً للإجراءات القانونية، بمعاقبة المتهمة «الدائنة»، عملاً بالمادة 42 من مرسوم بقانون اتحادي رقم 34 لسنة 2021 في شأن مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية، والتي تنص على أن «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين والغرامة التي لا تقل عن 250 ألف درهم، ولا تزيد على 500 ألف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من ابتز أو هدد شخصاً آخر لحمله على القيام بفعل، أو الامتناع عنه، باستخدام شبكة معلوماتية، أو إحدى وسائل تقنية المعلومات.
وتكون العقوبة السجن المؤقت مدة لا تزيد على 10 سنوات، إذا كان التهديد بارتكاب جريمة أو بإسناد أمور خادشة للشرف أو الاعتبار، وكان ذلك مصحوباً بطلب صريح، أو ضمني للقيام بعمل أو الامتناع عنه».
كيف دافعت «الدائنة» عن نفسها؟
باتت الدائنة في مواجهة عقوبة قانونية مُشدّدة جرّاء الاستخدام الخاطئ لتطبيق «واتساب»، حيث مثلت أمام القضاء مع محاميها، وأنكرت الاتهام المسند إليها، وقدمت مذكرة دفاعية دفعت فيها بانتفاء القصد الجنائي لجريمة التهديد المُسندة إليها، ودفعت بتوافر أسباب الإباحة، وعدم توافر أدلة على جريمة السب، مُطالبة ببراءتها.
رأي المحكمة
نظرت المحكمة في القضية ورأت «أنها لا تطمئن إلى إنكار المتهمة في ضوء أدلة الإثبات والرسائل»، ورأت أيضاً «أن دفاعها مُجرد ضرب من ضروب الدفاع للإفلات من العقاب»، مبينة أن«وقائع الاتهام بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمة مُسندة بحقها».
مادة قانونية تُنقذ «الدائنة» من الحبس
ورغم الإدانة الواضحة، إلّا أن مادة قانونية استندت إليها المحكمة ساهمت في إنقاذ الدائنة من عقوبة الحبس والغرامة، أو كليهما، حيث رأت المحكمة «أن الظروف التي ارتكبت فيها الجريمة تبعث على الاعتقاد بأن المحكوم عليها (لن تعود إلى مخالفة القانون مرة أخرى)، ولذلك يجب أخذها بالرأفة والرحمة».
أخذت المحكمة بصلاحياتها في المادة 48 من قانون العقوبات الاتحادي، والتي تنص على أن «للمحكمة عند الحكم في جريمة بالغرامة غير النسبية، أو بالحبس مدة لا تزيد على سنة، أن تأمر في الحكم بوقف تنفيذ العقوبة إذا رأت من أخلاق المحكوم عليه، أو ماضيه، أو سنّه، أو الظروف التي ارتكبت فيها الجريمة، ما يبعث على الاعتقاد بأنه لن يعود إلى ارتكاب جريمة جديدة...».
كانت هذه المادة القانونية كطوق نجاة للدائنة، حيث قضت محكمة الاستئناف بإيقاف تنفيذ عقوبة الحبس بحقها لمدة ثلاث سنوات، نظراً لظروف القضية، والاعتقاد بأن «الدائنة» لن تعود إلى مثل هذا الفعل.