إلى جانب السوشي والصوني، فإن اليابان مشهورة بالوحش الفتّاك غودزيللا، منذ أن تم اكتشافه في أعماق المحيط في الخمسينات.. فيلم «غودزيللا ناقص واحد» هو آخر نسخة تحكي عن هذا الوحش، وهو من إخراج تاكاشي يامازاكي، اليابان 2023.
في أحد معانيه، يأتي العنوان كعودة لما سبق وقامت السينما اليابانية بتقديمه منذ الخمسينات (عبر استوديوهات توهو في العديد من الأحيان)، وكتمهيد لما سيأتي أيضاً. عادة ما يعني «ناقص واحد»، كما يرد في العنوان، حالة تسبق الرقم الأول ذاته. شيء مثل التمهيد لما سيأتي. وإذا ما كان هذا صحيحاً، فإن الشركة اليابانية تفكّر في إعادة إطلاق السلسلة من جديد. وإذا ما كان ذلك صحيحاً فإن المهمّة الصعبة هي التفوّق على هذا الفيلم الذي جاء ضخماً، ودامغاً، وجيد التنفيذ على صعيد المعالجة الفنية، والموضوع الماثل ضمنها.
إنها المناسبة السبعون لإطلاق «غودزيللا» الأول (سنة 1953)، ومثل ذلك الفيلم الأول، وعدد كبير من الأفلام اليابانية التي تلته، فإن الغاية كانت الربط ما بين كارثة هذا الوحش البحري الضخم كلما خرج من الماء ليدمر مدناً ومجتمعات، وكارثة القنبلتين النوويّتين اللتين سقطتا فوق هيروشيما وناكازاغي، والتي هي أيضاً (وعلى نحو واقعي) كارثة تشابه في الدمار تلك التي يتسبب بها الوحش كلما خرج من الماء إلى اليابسة.
ضمّ الكارثتين معاً، هو إشارة سياسية لمعارضة الدمار النووي من ناحية كون الوحش، كما يوحي هذا الفيلم الجديد وكما أوحت العديد من الأفلام السابقة، هو نتاج البيئة الملوّثة التي تعرّض لها بحر اليابان نتيجة الانفجار النووي.
«غودزيلا ناقص واحد» يستعيد هذا الموقف من الحرب، ومن القنبلتين، ويضيف إليهما خلفية إنسانية مشبعة بالحزن والوحدة.
يبدأ الفيلم بتقديم شخصية شيكيشما (ريونوستوكي كاميكي)، أحد الذين نجوا من المواجهات العسكرية خلال الحرب العالمية الثانية (اشتعلت ثنائياً بين اليابان والولايات المتحدة)، والذي نراه مع مطلع الفيلم وقد جمد من الخوف عندما واجه الوحش لأول مرّة، ولم يطلق قديفة واحدة ضده.
لذلك اعتبروه مسؤولاً عن موت رفاقه الجنود، لكن من دون علم أحد بأن كل القذائف بحوزة تلك الفرقة التي كانت تحرس أحد الشواطئ، لن تكون قادرة على إلحاق أي أذى بوحش لا تنفع معه الأسلحة العسكرية.
شيكيشما يحمل عبء ذلك، وفوقه ذلك الدمار الذي نال من طوكيو خلال تلك الحرب. نراه يجوب الشوارع المملوءة بالحطام، وأشكال الدمار، عندما يتعرّف إلى نوريكو (مينامي هامابي)، وعي فتاة ترعى طفلاً وجدته بين الأنقاض.
بعد سنوات قليلة يشب هذا الطفل، لكن حياة الرجل والفتاة ما زالت تراوح مكانها. لا يريد الزواج ولا تكوين أسرة، وما زال ذلك الرجل الحزين تبعاً لماضيه، وحين النظر إلى الحاضر أيضاً. هذا الوضع الإنساني، مع خلفيّته السياسية والمجتمعية، يمهّد لما سيق في الدقائق الخمسين الأخيرة عندما يخرج غودزيللا من أعماق البحر في زيارة جديدة لليابسة.
في تلك الدقائق يصبح الفيلم ملكاً للمؤثرات البصرية والتقنية التي روعي فيها الاختلاف عمّا وصلت إليه الأفلام السابقة من تنفيذه. هذا الاختلاف يُلاحظ لا في الحجم فقط، بل في التفاصيل أيضاً. لكن الحجم مهم بالطبع، لأن هذا الوحش الذي لا يمكن لديزني، أو لهوليوود، تسويقه كلهو ضاحك، كما تفعل عادة مع منتجاتها من الوحوش، لأنه ما زال، وعليه أن يبقى، أضخم وحش في التاريخ.
غودزيللا هنا ينتمي روحاً للفكرة الأصلية التي صاحبته في الخمسينات. المتغيّر هو تلك المؤثرات التي تجعله أخطر مما كان عليه. الأفكار التي ترد في مخيلة صانعي الفيلم في نطاق تدمير غوديللا لكل ما هو يتحرك (أو لا يتحرك أيضاً) أمامه، ما يجعل المُشاهد يتساءل كيف سينتهي الفيلم.. بقتل الوحش، أو بلا غالب أو مغلوب؟
الفصل المذكور من الإنجاز بحيث يرفض جزء من العقل تصديق أن الميزانية لم تزد على 15 مليون دولار. في المقابل تكلّف «غودزيللا ضد كينغ كونغ» 200 مليون دولار، وهو للأسف، ليس أفضل من هذا الفيلم.