29 يناير 2024

محمد رُضا يكتب: طارت المتعة

ناقد ومؤرخ سينمائي

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

محمد رُضا يكتب: طارت المتعة

السينما تتعافى، أو لابد لها من ذلك، عندما نلاحظ أن السينما الأمريكية وحدها، سجلت قرابة 10 مليارات دولار في العام المنصرم. وأن السينما الفرنسية تنعم بنشاط ملحوظ، إذ تم تسجيل زيادة في مبيعات التذاكر قدرها 13 في المئة عما كانت عليه في العام الأسبق، 2022.

إنه كما لو أن الجمهور أيقن أن صالات السينما هي المخوّلة بمشاهدة الأفلام، أكثر من سواها. يذهب الواحد منا إلى صالة السينما ليشتري تذكرته إلى العالم الذي يعرضه الفيلم. وبالطبع، الطريقة التي يستولي فيها هذا العالم على المشاهد تختلف عن تلك التي في البيت.

الشاشة لا تُضاهى. الصوت مجسم، ولا مثيل له، وهناك شعور اجتماعي بأنك واحد من مجتمع يشاركك البهجة (طبعاً إذا كان الفيلم مثيراً أو مبهجاً).

في البيت يصلك نصف المفاد من الفيلم، موضوعاً وصورة وقيمة. في السينما الفيلم معروض بلا توقف، في البيت تتذكر أن عليك أن تكتب رسالة، أو أن تتصل بصديق، وبالتأكيد ستتسلم صورة بعثها إليك شخص لكي تضحك معه. ستجوع. ستنشغل، والفيلم ذو الساعتين سيصير من ثلاث ساعات، أو أكثر. أو ربما تقرر إيقافه. طارت المتعة. طارت الخمسين في المئة الأخرى.

حسب تقرير من «وول ستريت جورنال» نقلاً عن مراكز الحركة الاقتصادية في شارع «وول ستريت»، أن منصّات الأفلام، تلك التي بدت منذ مدة قريبة كما لو أنها المستقبل المزدهر للأفلام والترفيه المصوّر، لم تحقق ما كان مأمولاً منها تحقيقه.

نعم، هي انتشرت وسحبت من الصالات نسبة كبيرة من الجمهور (لا يوجد ذكر لنسبة مشتري التذاكر الذين قرروا المكوث في البيت) وأنتجت أفلاماً، وصرفت أموالاً، لكن درجة النمو التجاري توقفت في العام الماضي عند حد معيّن، لم تزد على درجة نموّه في العام الأسبق.

العبارة التي استخدمها إعلان «وول ستريت» هي أن هذه المنصّات «ليست رابحة بما فيه الكفاية». هذا يعني إنها توقّفت عن النمو، وإذا ما عادت لاستثمار مبالغ ضخمة في إنتاج الأفلام، أو شرائها، فإن ذلك ليس دليل ازدهار، بل محاولة استرجاع المبادرة مع المشاهدين في بحر من التموّجات. بالتالي هي مغامرة مالية أخرى بالنسبة إليها.

يحضرنا حال المنتجات المنزلية السابقة مثل أسطوانات الأفلام الذي ظهرت واندثرت، ثم أشرطة الفيديو التي لحقت بمصير سابقتها، والـ DVD التي ما زالت في الأسواق، لكنها لم تعد ذلك المصدر الربحي الذي كانت عليه يوماً.

على ذلك، لا يجب - للأسف - الاعتقاد بأن عصر المنصّات آيل إلى نهاية مماثلة، لكن ما قد يحدث هو تراجع الصرف، وربما مزج بعض الشركات معاً، وهذا سيعتمد في هوليوود على أحوال السوق في صالات السينما التي ما زالت تحت تأثير، وإن تعافت كثيراً عمّا كانت عليه قبل ثلاث سنوات.

نتفلكس سترفع الاشتراك بخدماتها، ما يعني أنها في مركز قوّة (وهي بالفعل ما زالت رائدة بعدد المشتركين)، لكن هذا قد يؤدي إما إلى استمرار تفوقها، وإما تراجعه. بذلك تكون السينما في ميزان دقيق: يرتفع في كفّة، ويهبط في كفّة أخرى، والعكس صحيح.

 

مقالات ذات صلة