05 فبراير 2024

"Anatomy of a Fall" ترشيح فرنسا للأوسكار يمرّ عبر جريمة غامضة.. ما هي؟

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

نال «تشريح سقوط»، إخراج: جوستين تراييه، جائزة مهرجان كان الأولى، في مايو الماضي، وهو الآن في عداد الأفلام المتسابقة على الأوسكار. الفيلم يستحق هذا النجاح لمعالجته الدرامية الجديدة، كما سنرى.

اللقطة الشهيرة لهذا الفيلم هي لجثة رجل ميّت فوق الثلج. اللقطة بعيدة، لكنها واضحة، والسؤال الأول: لماذا هو ميّت؟ هل ألقى بنفسه من علوّ منتحراً، أو أن أحداً دفعه إلى ذلك؟ هناك استبعاد لاحتمال ضعيف هو أن يكون الحادث وقع بالصدفة، نتيجة انزلاق، أو ربما كان الرجل يتسلق جدار البناية التي يشغلها فوقع.

بعد قليل في الفيلم، نتبيّن أن «تشريح سقوط» يتعامل مع الاحتمالين، الأولين: السقوط انتحاراً، أو السقوط قتلاً. هناك محكمة للنظر في هذه القضية، بعدما تم توجيه تهمة القتل للزوجة ساندرا (الألمانية ساندا فويتر)، والشاهد الوحيد هو ابنها الصغير الذي حدث أنه أعمى. بطريقة ما يضمن له السيناريو دوره المهم في هذه الأحجية.

يوفر الفيلم أن الحادث بدأ عندما كانت ساندرا تتحدث مع طالبة في غرفة الجلوس. فجأة صوت الموسيقى يطغى، لأن الزوج سامويل (سامويل تييس) أراد ذلك. بعد قليل يعود الابن من جولة مع كلبه، ليجد والده فوق الثلج.

الآن، تتدخل العوامل التي ستؤيد براءة، أو ذنب الزوجة: سامويل محبط، لأنه لم ينجح بعد ككاتب، هذا يقترح بأنه هو من رمى نفسه. ساندرا محبطة لأنها غير سعيدة معه، تكشف المحاكمة عن أن زوجها ممتنع عن ممارسة الحب معها، وفي هذا سبب آخر قد يدعوها لإلقائه من شرفة الطابق الثالث.

بينما أحبّت لجنة التحكيم في مهرجان «كان» الفيلم، وما فيه، ووافق معظم نقاد الغرب على ذلك، من المريع إلى حد عدم النظر إلى مشاكله الفعلية. ما هو مكتوب وما هو منفّذ هو عملية محسوبة على نحو يوازي بين الاحتمالين، ويوزّع عناصر كل احتمال في خانتين متجانستين بعدد متساوٍ من العناصر.

لكن هذا، في الوقت ذاته، ما هو مثير في الفيلم. ما يبقي السؤال حيّاً حتى النهاية. إليه، يمكن ضم حقيقة أن الجريمة تقع في فرنسا، والزوجة ألمانية، وهذا، على نحو مبيّت وتحتي، يرفع من وجهة نظر المدّعي العام (والبعض الآخر) أنها مذنبة. إنها الغريبة في هذا الوضع. حين يذكر لها أحد المحامين ما ستنتظره من استجواب النيابة، تخبره بكل حزم «أنا لست قاتلة»، يرد عليها «هذه ليست المسألة». والحوار هنا جيّد (أفضل من بعض حوارات الفيلم لاحقاً).

لم يكن مهمّاً أن تمنح المخرجة شخصيتي الزوج والزوجة الاسمين الأولين من اسميهما الحقيقين (سام وساندرا). هذا لا يقرّب الأشياء، ولا أثر له في أي اتجاه، بل هو تقليد منتشر.
المساحة البارعة التي يلعب فيها الفيلم هي عبارة عن أن الزواج غير الموفق، وله وجهتان: واحدة تؤدي للانتحار (على نحو أو آخر)، والثانية تؤدي إلى الجريمة.