هي شابة فرنسية أنهت دراستها الجامعية وتبحث عن عمل. حق مشروع لمن كان في عمرها ويحمل مؤهلاتها. غير أن هناك عقبة تواجهها، بل عقبتان. الأولى أنها من أصل أفريقي، أي سوداء. والثانية أنها تحمل اسماً عربياً.
حكت ياسمين مشكلتها على صفحات جريدة «الباريزيان»، أوسع الصحف الشعبية انتشاراً في فرنسا. قالت إنها في الخامسة والعشرين من العمر، تقيم في جنوب فرنسا، وكانت متفوقة في دراستها، ونالت شهادة الماستر في قانون الشركات التجارية. ما هي مشكلتها؟ مشكلتها أنها تمضي نهاراتها أمام شاشة حاسوبها، تبحث في المواقع المخصصة للإعلانات عن طلب موظفين وموظفات، وتجد فرصاً مناسبة لها وشروطاً تنطبق عليها، لكن «لا حياة لمن تنادي».
ترسل ياسمين سيرتها العملية مرفقة برسالة تشرح فيها ما شجعها للتقدم للوظيفة. تقول إنها في بعض الأيام كانت تبعث أكثر من ثلاثين طلباً. والحصيلة من كل ذلك أنها حظيت بثلاث مقابلات لم تسفر عن شيء. ولكيلا تبقى مكتوفة اليدين، قررت الشابة المتفوقة، في لحظة يأس، أن تعود إلى الجامعة لكي تحصل على الماستر في الإدارة، وهو تخصص مطلوب جداً، لأنه يجمع بين المحاسبة، وقوانين الشركات، وتقديم الاستشارات في إدارة المؤسسات.
وبما أنها حاصلة على شهادة سابقة في قانون الشركات، فإن الشهادة الثانية لا تتطلب منها سوى الدراسة لعام واحد، مع الدوام والممارسة العملية، أو التدريب في وظيفة ضمن هذا المجال. وهنا عادت ياسمين إلى المربع الأول. تقدمت بعشرات الطلبات للعمل متدربة من دون أن تلقى رداً إيجابياً. لم تجد ربّ العمل الذي يفتح لها باب الأمل، ويرحّب بها، ويستفيد من مؤهلاتها. وهي ستخسر مبلغ التسجيل في الجامعة، لأنها لم تتمكن من توفير شرط التدريب.
مهما أنكر البعض، فإن هناك عنصرية مُقنّعة في فرنسا. وهذا الرأي ليس من عندي، بل من دراسة صادرة عن المركز الوطني لمراقبة التمييز والعدالة في التوظيف. تقول الدراسة إن فرصة الفتيات من أصول مغاربية في الحصول على عمل هي أقل من فتاة تحمل اسماً فرنسياً، رغم أنهن مولودات هنا، ويحملن جنسية البلد. فأن يكون اسمك غادة، أو زهرة، أو فريال، هو عقبة لا تواجهها من كان اسمها كاترين، أو شارلوت، أو جانين.
اليوم، صارت الصورة شرطاً في السيرة الشخصية. وفي حال كانت هناك متقدمة للوظيفة سمراء أو سوداء، فإن ربّ العمل يميل لاختيار متقدمة بيضاء. هل يدخل هذا في نطاق «الإسلاموفوبيا»، أي الخوف من الإسلام؟ أظن ذلك، حتى لو كان بعض الظن إثماً.
أترك الكلمة الأخيرة لياسمين، وهي كلمة مؤسفة: «لو كان اسمي مانون دوبون لكنت حصلت على عمل. مع العلم أن فرنسا بلدي، نشأت فيها وتعلّمت الكثير من القيم. لكن لو كان مجتمعها لا يقبلني، فإنني سأبحث عن وسيلة لبناء مستقبلي في الخارج».