المخرج أثناء تصوير الفيلم
حصد هذا الفيلم السعودي الجديد «هجان»، اهتماماً كبيراً يستحقه كإنتاج سعودي، من إخراج سينمائي مصري (أبو بكر شوقي)، وكذلك كموضوع. لكن هناك بعض المشاكل العالقة في هذا الشأن.
«هجّان» دراما بإمكانات إنتاجية عالية تستفيد من عناصر الحكاية التي توفرها، ومن البيئة التي تعايشها، وتحتوي على عنصرَي مواكبة حياة شاب في مطلع العمر وجمله، والصحراء التي وُلد فيها، والتي ستعني الكثير حين يقرر البحث عن مستقبله بعيداً عن المخاطر. الصحراء هنا جميلة تتلألأ ببيئة طبيعية خلابة في خلفية الدراما المعروضة.
مطر (عمر العطاوي) فتى يتابع سباق الجِمال الذي يشترك فيه شقيقه الأكبر سنّاً غانم (عزّام النمر)، فوق جمل اسمه حفارة. السباق يبدأ والجمال تركض. لقطات على أحد كبار المشتركين بأساً وسُلطة، اسمه جاسر (عبدالمحسن النمر)، تنبئ بأن شيئاً ما سيقع، خصوصاً بعدما يسرّ الفيلم إلينا بأنه رجل يحب الفوز، ولا يدع أحداً سواه يفوز. وسريعاً ما يتأكد ذلك عندما يوعز، قبيل السباق، لأحد المتسابقين في التخلص من منافسيه، وغانم هو أحدهم، وها هو يسقط عن جمله ويموت.
لا يتعرّض الفيلم لكيف يمكن لجاسر الإفلات من المسؤولية أمام كل هذا الحشد من الناس، والمراقبين، ولا هو سيبحث عميقاً في شخصيته، بل يقدّمه كشرّير الفيلم فقط. في كل الأحوال، فإن مطر مضطر لأن ينضم إلى العمل عند جاسر الذي يريد تطويعه عبر رجاله القُساة، لكن مطر يبرهن أنه فتى لا يمكن تطويعه، وأنه يفهم جَمله حفارة، ولا أحد سواه يمكنه الاعتناء به. ومع تجاذب معركة الإرادة بينه، وبين جاسر ورجاله، سيضطر مطر للهرب من المكان، ومن مطارديه بحثاً عن ذاته التي ترفض أن تخضع للبطش.
إنتاج ممتاز العناصر، يواكب هذه الحكاية. مدير التصوير جيري فاسبنتر يستفيد من المكان وطبيعته، ويعرف كيف يجعله ينطق بجماليّاته الخاصة. توليف جيد بدوره من سارا بشق، حين يأتي الوقت لرفع وتيرة التشويق (وعادي دون ذلك). موسيقى أمين بوحافة تؤدي بالتالي دورها بموسيقى مناسبة، وغير ضاجّة. كل شيء يبدو على ما يرام.
المشكلة تتبلور منذ أن يقرر السيناريو إيداع مطر تحت رعاية جاسر، لأن هناك القليل مما يمكن فعله في غياب دوافع أعلى. الانتقام المنشود هو أحد هذه الدوافع، كذلك الخوف على مستقبل الجَمل، لكن ما أن يدخل مطر مزرعة جاسر حتى يتبدّى أن هناك القليل ممّا يمكن أن يشكّل مفاجأة. الاختيارات قليلة وتتمحور حول معاملة جاسر لكل المحيطين، به وما ينتظره مطر وجَمله في هذا الإطار.
كان أبو بكر شوقي قدّم قبل خمس سنوات فيلماً مثيراً للاهتمام هو «يوم الدين»، وهذا فيلمه الثاني والأفضل من سابقه. لكن في الفيلمين هناك تعامل مع شاب في بحث عن ذاته، ونقطة لقاء بين حاضره وماضيه (في الفيلم السابق)، ونقطة لقاء بين حاضره ومستقبله (في هذا الفيلم). ولولا فراغ في منطقة الوسط، تم ملء بعضه بحكايات قصيرة جانبية، لأنجز فيلماً أفضل. لكن حتى مع هذا الضعف في الخاصرة، ما زال الفيلم لامعاً ببصريّاته وطريقة تنفيذه.