«سوء حظّي أوقعني، بالصدفة، في قبضة رجال المباحث، فعندما داهموا منزلنا كان هدفهم الأساسي هو القبض على والدي، وشركائه، لكنهم لم يجدوا غيري، ضحّى بي والدي لينجو بنفسه. اقتحموا منزلنا، وتم تفتيش المنزل بمنتهى القسوة، حتى عثروا على ضالّتهم، كميات ضخمة من المخدرات في غرفتي، إضافة إلى كميات أخرى كانت مجهزة للتوزيع، وبتفتيش هاتفي عثر رجال المباحث على محادثات تفيد بتورطي في هذه التجارة. لم أتمكن من الإنكار، فأنا لم أتعلم أي شيء سوى هذا الأمر».. كانت هذه الكلمات هي ملخّص اعترافات المتهم بالاتجار في المخدرات. بكى بشدة فور سقوطه، مؤكداً أن عائلته، وتحديداً والده، كان السبب في وصوله لهذا المصير المظلم.
استهتار يقود إلى التفكك
ربما بالفعل كان المتهم الأساسي في هذه الجريمة هو الابن، لكن الأسباب الحقيقية التي دفعت الجميع لهذه النهاية المأساوية متعددة: التفكك الأسري، والجحود، وعدم تحمّل المسؤولية، سنوات عدة مضت، والعلاقة بين الزوج وزوجته، ونجله، تسير من سيئ إلى أسوأ.
بدأت ملامح القصة منذ ما يقرب من 10 سنوات مضت، فاصل كبير من الخلافات، والشدّ والجذب، نشب بين الزوجين، كانت تصرفات الزوج وقتها تدعو إلى الريبة والشك، إلى أن علمت الزوجة أنه يتاجر في المخدرات. كان الزوج مستهتراً، بكل ما تحمل الكلمة من معنى، يهوى سهرات الكيف والفرفشة، ويسير وراء نزواته، وعندما اعترضت زوجته على تصرفاته تحولت معاملته للأسوأ، كان يسبّها بأبشع الكلمات والألفاظ الخادشة للحياء، فكرت أكثر من مرة في طلب الطلاق، لكنها كانت تخشى على طفلها الوحيد من الضياع، وبمرور الوقت لم يعد الأمر محتملاً.
الطلاق هو الحل
لم يشفع الطفل البريء عند والده، ولم يغيّر شيئاً من قسوة قلبه، كأنه ليس نجله، الأمر الذي وضع الحياة الزوجية على شفا الانهيار، حتى وصلت رحلة الحياة الزوجية بين الطرفين إلى طريق مسدود، ما عجّل بانفصالهما. ولم يكن هذا كل شيء، وإنما أهمل الزوج زوجته وطفله، وتركهما يواجهان الحياة من دون شفقة، أو رحمة. فقرّرت الزوجة أن تغلق حياتها عليها، وعلى نجلها فقط، وأصبحت تقوم بدور الأب والأم، على حدّ سواء، إلى أن ضعفت، واستسلمت تحت الضغوط الكبيرة الواقعة عليها، ووافقت على الزواج بآخر، ليكون سندها ومأواها في هذه الحياة العصيبة.
الطريق الصعب مع ثمن باهظ
بدأ زوج الأم بمرور الوقت يبُدي استياءه من وجود الطفل الذي بدأ بمرحلة المراهقة، وأصبحت طلباته ومشاكله لا تنتهي، ما دفعه لطرده من المنزل، فاضطر الشاب إلى الذهاب إلى والده للبقاء معه، لتتحول حياته من النقيض إلى النقيض تماماً. كان والده، كما سبق وأوضحنا، تاجراً للمخدرات، ويرفض وجود نجله معه، إلا بشروط قاسية، وهي مساعدته في تجارته المحرّمة، وأمام قسوة الأب، وجبروت زوج الأم، لم يكن أمام الشاب إلا الخضوع لوالده حتى لا يكون الشارع مصيره المظلم. وبدأ الشاب حياة جديدة في هذه التجارة المحرّمة، تعلم كل كبيرة وصغيرة في هذا الطريق المُظلم، وانقلبت حياته رأساً على عقب.
وجه جديد وشبكة قوية بعيداً عن الشبهات
بدأ الأب يستغل نجله، وحداثة سنه، إضافة إلى أنه وجه غير مألوف لرجال المباحث، في توزيع وتجارة المخدرات. كوّن الابن شبكه قوية من العلاقات المحرمة في هذا المجال، وبمرور الوقت، أصبح الابن الفتى المدلّل لوالده، بسبب نجاحه الكبير في هذا المجال، خصوصاً أن وجهه كان بعيداً تماماً عن الشبهات. دلف الابن إلى هذا العالم المجهول الذي لا تؤتمن عواقبه، وأصبح بمرور الوقت ماهراً في توزيع المخدرات، وعرف أسماء أنواع المواد المخدرة، بل بدأ بالقيام ببعض العمليات الخاصة لحسابه. الأموال المتدفقة عليه من هذه التجارة المحرمة جعلته بلا مبادئ، أو خوف، وعرف طريق الانحراف من أوسع الأبواب، إلا أن سقوطه كان مفاجئاً، ومدوّياً.
السقوط بالإنابة عن والده
كانت عيون رجال مباحث مكافحة الاتجار في المخدرات تراقب الأب تاجر المخدرات الكبير، وتعدّ عليه أنفاسه، والمفاجأة التي تم كشفها، فيما بعد، أن الأب كان على علم بهذا الأمر، لذا دفع بنجله الوجه الجديد، وغير المألوف، حتى يكون هو البديل المناسب له، وفي اللحظة المناسبة داهمت قوات الأمن منزل المتهم للقبض على والده الذي تمكن من الهرب بعد مقاومة مع السلطات، وترك نجله كبش فداء، يواجه مصيره المجهول، حيث اعترف الابن بكل تفاصيل تجارة والده المحرّمة، مؤكداً أنه دخل هذا المجال بدلاً من النوم في الشارع.
تم تحرير محضر بالواقعة تضمن كل التفاصيل الخاصة بالواقعة، كما تضمن اعترافات المتهم الشاب، وتمت إحالته إلى النيابة العامة التي أمرت بحبس المتهم 15 يوماً على ذمة التحقيقات الجارية معه، لحين استكمال التحقيقات والتحرّيات، كما أمرت بسرعة ضبط وإحضار الأب الهارب، الذي اختفى وقت مداهمة المنزل، مع توزيع نشرة أمنية بصورته، والأماكن التي متوقع أن يذهب إليها.
* القاهرة: كريم سليمان