نقر الكاتب على حرف «م» ليجد أن الكلمة التي أراد كتابتها قد تبدلت من «سلام» إلى «سلاح». أعاد الطبع من جديد، وأصلح الخطأ.
ذلك الكاتب يطبع بسرعة. لكن عندما تخاطبه زوجته، أو تقفز قطّـة البيت أمامه، فيسمع للأولى أو ينظر للثانية، فإن أصابعه تذهب إلى أحرف أخرى. وهكذا وجد، عندما توقف عن الاستماع إلى زوجته والنظر إلى قطته، أنه كتب شيئاً مثل «ع3هيه3 مثسمثع جيمشميل جوندا». ما اضطره للعودة إلى مطلع هذه العبارة المملوءة بالأخطاء، ومحوها، ثم كتابة ما كان يرغب في كتابته: «أشعر بالبهجة في كل يوم جديد».
لكن العلم يخبرنا أن هذا الشعور لن يدوم طويلاً. إذا لم تقضِ عليه الظروف وأحوال الدنيا والبيئة، وما إلى ذلك، سيقضي عليه العلم، لأن مستقبل الكتابة يختلف عما هو عليه الآن. وكما يُخطط لكي يصبح سائق التاكسي «روبوت»، أو لتصبح سيارة التاكسي بلا سائق أصلاً، وكما يُخطط لهجوم الأندرويدز للعمل مكان الآدميين بلا أجور في كل الميادين، فإن هناك من سيحل مكانه متمتعاً بذكاء اصطناعي أعلى من ذكاء الإنسان (أو هكذا يعتقدون).
لاحظ أن الإنسان في العصر الحجري بدأ الكتابة بالحجر نفسه، ناحتاً ما يريد التعبير عنه، كما تؤكد الاكتشافات التي توزعت ما بين العراق، ومصر، وإسبانيا، وفرنسا، وسواها. بعد ذلك استخدم الفحم والحبر وإصبعه في رسم الكلمات. وفي القرن الميلادي الثالث، تم استخدام العظام الرقيقة للكتابة. وعلى أيام أبو العلاء المعري، وإبن خلدون، وأوسكار وايلد، وويليام شكسبير، كانت هناك الريشة المغمّسة بالحبر الوارد من الصين.
ثم تحرك العلم خطوات إلى الأمام متدخلاً بين الدماغ والورقة، فصنع للإنسان الآلة الكاتبة. وككُل شيء آخر، جاء الاختراع كبير الحجم، ثم تم تصغيره لكي يستطيع الكاتب الانتقال به إلى غرف فنادق أوروبا ذات الجدران الرقيقة، ليزعج جاره بصوت النقر العالي على الآلة في الساعة الثالثة صباحاً، إذا لمعت في رأسه فكرة. رغم ذلك كان حلاً عملياً لمن يشبه خط يده خربشة برجل الدجاجة.
ثم جاء الكومبيوتر، وكان بدوره كبير الحجم لا تملكه إلا الدول المتقدمة، مثبتاً على الجدران، وبكابلات حمراء وزرقاء وصفراء، تخرج منه وتتوزع في أرجاء المؤسسات الحكومية، خصوصاً السريّة. بعد ذلك تم تصغيره خدمة للشعب وللمؤسسات الإلكترونية طبعاً، فأقبل الناس عليه أيّما إقبال.