آباء يخطفون أطفالهم من طليقاتهم.. كم ضحية مثل المصرية مريم مجدي تعيش مأساة في الغرب؟
هذه ليست واحدة من الآثار السلبية لما نسمّيه الزواج المختلط. فزوج مريم مجدي من أصول مصرية مثلها، حتى ولو كان يحمل الجنسية السويسرية. إنها قضية يمكن أن تحدث في أي بلد في العالم، لأن سببها الغيرة، والعقلية الضيّقة التي ترفض القانون، والأهم هو الابتعاد عن العائلة الكبيرة التي يمكنها أن تحتوي الخلافات، وتمنع الجرائم قبل وقوعها.
مريم في سويسرا
مريم مجدي.. غريقة في نهر الراين بسويسرا
ولنعُد، أولاً، إلى ما تسرّب من قضية مصرع مريم مجدي حتى الآن، علماً بأن خيوط التحقيق لم تتضح وتُعلن بعد. فقد ضجّت وسائل الإعلام المصرية، ومواقع التواصل الاجتماعي، بخبر العثور على جثة سيدة عربية غريقة في نهر الراين في سويسرا، وبالتحديد في منطقة لوفن أوفيسن، ذات الطبيعة الساحرة، والتابعة لإقليم زيوريخ. وطبعاً أثار الخبر الذي أعلنته شرطة المنطقة اهتمام الأهالي في تلك البلدة الهادئة التي تقع على هضبة جبلية ولا يزيد عدد سكانها على 1500 نسمة.
جاء في بيان الشرطة، أن الجثة تعود لسيدة مصرية تدعى مريم مجدي، وكانت تغيّبت عن بيتها منذ عشرة أيام سبقت العثور عليها غريقة، وألقت تيارات الموج جثتها على الضفاف. وطبعاً كان من الطبيعي التحقيق مع أهل الضحية كخطوة أولى، وأعلنت الشرطة أنها قبضت على طليق مريم، وهو سويسري من أصل مصري.
لكن القبض عليه ليس دليلاً على أنه يقف وراء حادثة الغرق، بل قد يكون المشتبه فيه الأول، في حال تأكد أن مريم قتلت بفعل فاعل أراد التخلص من جثتها برميها في النهر. وحسب القانون، فإن المجرم بريء حتى تثبت إدانته. لكن أهل الضحية، وبالأخص شقيقها، وجّهوا أصابع الاتهام للطليق. والسبب، ما يقال من خلاف بين الطليقين انتهى بأنه خطف ابنتيه من والدتهما المصرية، ونقلهما إلى مكان إقامته في سويسرا.
الضحية مع طفلتيها
من قتل مريم وجدي؟.. طليقها؟
جاء في المعلومات الواردة من مصر، أن مريم مجدي امرأة من محافظة الدقهلية، بمركز شبين. تبلغ من العمر 27 عاماً. كانت متزوجة من رجل يدعى وليد، يكبرها بعشر سنوات. لديها ابنتان هما خديجة 6 سنوات، وفاطمة 8 سنوات. سافرت إلى زيوريخ لكي تبحث عن طفلتيها. ونحن لا نعرف إن كان أبوهما قد خطفهما بالفعل، أم اصطحبهما إلى سويسرا، وسافرتا معه بالتراضي. لكن المؤكد أن الحضانة في السّن الصغيرة تكون للأم.
وطبعاً فإن وسائل التواصل التي تجعل من الحبة قبة، تلقفت الحكاية، وهي ليست قضية عادية، إذ سرعان ما أطلق المعلّقون على مريم لقب «شهيدة التشدد». والمتشدد المقصود هو طليقها. فهي كانت منتقبة، ثم خلعت نقابها لأسباب صحية، فهي مريضة بداء السكّري، وتعاني ضيقاً في التنفس. وقد روى شقيقها أحمد أن طليق مريم رفض تخليها عن نقابها، وقال إن شقيقته اقترنت بمصري يحمل الجنسية السويسرية، لكن الخلافات دبت بينهما بعد 5 سنوات من الزواج.
وانتهى الأمر بالطلاق. وقد خطف الأب ابنتيه في ربيع العام الماضي، الأمر الذي دفع مريم إلى الاتصال بجمعيات ومؤسسات خيرية في سويسرا طلباً للمساعدة في رؤية البنتين. وهي قد لحقت بهم إلى سويسرا، وحصلت على الإقامة، وتقدمت بقضية ضد طليقها. وفي النهاية قضت المحكمة بأن ترى طفلتيها، مرتين في الأسبوع، ثم ثلاث مرات بإقامة كاملة.
وفي منتصف الشهر الماضي، كانت الأم تنتظر الجلسة النهائية للمحكمة، وكلها أمل بأن يأتي الحكم لمصلحتها. وهو قرار يعتمد على اختيار سكن مناسب، لها وللبنتين، ودخل يساعدها في تربيتهما. وبمساعدة الجمعيات النسائية حصلت مريم على دعم من الدولة السويسرية التي قدمت لها نفقة شهرية قدرها 1950 فرنكاً. وكل تلك التحركات لم تعجب الأب. فهل يكون ارتكب جريمة للتخلص من طليقته؟
اختلاف الثقافات والتقاليد
تشهد أوساط المهاجرين العرب، في أوروبا، حوادث متتابعة تروح ضحيتها البنات القاصرات، أو النساء البالغات، والسبب هو الصدمة التي يتسبب بها انتقال الأسرة من بلد ذي ثقافة وتقاليد محافظة، إلى مجتمعات تبيح الكثير من الأمور، وتعتبرها تخصّ الحريات الشخصية. وهذه الحريات باتت شبه مقدسة، لاسيما حين تتعلق بالنساء.
وكانت ألمانيا والدول الاسكندنافية مسرحاً لعدد من جرائم القتل، أو جرائم الشرف التي تدرج في خانة غسل العار. فقد وصلت إلى تلك الدول خلال السنوات العشرين الأخيرة، أعداد كبيرة تقدر بالملايين، من مهاجري البلاد الإسلامية، مثل العراق وسوريا وإيران وأفغانستان وباكستان والشيشان وألبانيا.
بعض المهاجرين يسعى وراء الرزق، والأغلبية هربت من النزاعات، والحروب، وطلبت اللجوء السياسي والإنساني. ورغم أن هذه الدول توفر للاجئين ظروفاً آمنة، وتقدم لهم المأوى والعلاج المجاني، والتعليم، وتتيح لهم صفوفاً لتعلم اللغة، فإن الصعب يبقى تلك الفروقات بين ما يلتزم به المسلم والمسلمة من فروض ونواهٍ، وبين ما ينتشر في الغرب من انفتاح في العلاقات بين الجنسين، وغير ذلك من تقبّل للمثلية واختيار «الجندر»، أي النوع.
لماذا وقعت الفأس على رؤوس النساء قبل غيرهن؟
لأن البنت التي تكبر وسط زميلات أوروبيات تشعر بأن من حقها أن تتصرف مثل زميلاتها في اللبس، والطعام، والشراب، والتصرفات. إنها تريد أن ترتدي ثياباً قصيرة، ومكشوفة الذراعين في الصيف. وأن تذهب للرقص في أمسيات السبت، وأن ترتبط بعلاقة عاطفية مع زميل، أو جار. وهي كلها أفعال لا يتقبلها الأب، ولا الشقيق. وكم من جريمة ارتكبت بسبب هذا التناقض الحاد في القيم والمفاهيم.
وهناك الزواج المختلط. أي الذي يجمع بين مهاجر عربي وشابة أوروبية. ويسعى الكثير من الشبان إلى الارتباط بفرنسية، أو انجليزية، أو يونانية، لكي ينال جنسية بلدها، ويحصل على أوراق شرعية تتيح له العمل والحصول على المساعدات التي تقدمها الحكومات للعائلات. لكن نسبة ليست قليلة من تلك الزيجات تنتهي بالخلافات، خصوصاً عندما يحصل الزوج على هوية البلد، ويشتد عوده، ولا يعود يقيم وزناً لزوجته. وطبعاً فإن الزوجة الأوروبية ليست مثل العربية، ستر وغطاء، بل لا تتورع عن تعيّر زوجها بأنها صاحبة الفضل عليه، وأنه بلغ برّ الأمان من خلال إيوائها له، وإنفاقها عليه.
خطف الأبناء من أمهاتهم
وفي حال أثمر الزواج أطفالاً، فإن هؤلاء يكونون ضحية الخلاف. يأخذهم الأب في غفلة ويعود بهم ليتربوا في بلده الأصلي، وفي حضن والدته، جدتهم، أو أحضان عمّاتهم، لكي يحرق قلب الزوجة، ويحول بينهم وبين «المجتمع الفاسد». وهناك مئات القضايا التي تشغل سفارات الدول، المغاربية والمشرقية، بسبب حالات تمزق الصغار بين الأبوين.
وطبعاً، فإن التحرر، أو ما يمكن اعتباره انحرافاً، يشمل أقلية من المهاجرين في حين تسلك الأغلبية سلوكاً طيباً ينتهي بالتفوق في الدراسة، ودخول أفضل الجامعات. وهناك ملايين الشابات العربيات المحجبات في كل مدن أوروبا، بينهن شرطيات في بريطانيا، وقائدات طائرات مدنية، وممرضات، وطبيبات، وأستاذات في الجامعة. ونظرة على الوزارات في فرنسا وألمانيا والسويد وفنلندا وإسبانيا، تؤكد لنا وجود وزيرات ونائبات يحملن أسماء عربية.
لكن هذا الجانب المضيء من الصورة لا يخفي تماماً الجانب الكالح. وكم هو مؤلم أن يهرب أب بأسرته من بلد يضطهده سياسياً، أو يحرمه لقمة العيش، ليجد نفسه حراً في بلد يشبعه حد التخمة، لكنه يسلب منه سيطرته على بناته. ينتهي الأمر أحياناً بجريمة قتل، ويجد المهاجر نفسه محكوماً بالقتل، يقضي عقوبة مدى الحياة وراء القضبان في جريمة شرف، رغم أن لا شرف في انتزاع روح إنسان من دون وجه حق.
هل يكون طليق مريم مجدي واحداً من أولئك الذين يقودهم التشدد إلى العيش وراء القضبان؟