27 فبراير 2024

Ferrari.. المشكلة في الفيلم وليس في السيارة

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

Ferrari.. المشكلة في الفيلم وليس في السيارة

ما إن خلع الممثل آدم درايڤر عنه دور الشخصية الإيطالية التي قام بتأديتها في «منزل آل غوتشي»، حتى عاد فارتدى شخصية إيطالية أخرى في «فيراري»، إخراج مايكل مان - الولايات المتحدة 2023


كان أمل المعجبين بفيلم مايكل مان الجديد «فيراري»، أن يدخل مسابقات موسم الجوائز بقوّة وفاعلية. لكن هذا لم يحدث، و«فيراري» لم يصل إلى خط النهاية لا في ترشيحات غولدن غلوبز، ولا في ترشيحات الأوسكار الأساسية، وعملياً، ليس في أي ترشيح آخر لجائزة ذات قيمة.

Ferrari.. المشكلة في الفيلم وليس في السيارة

التوقعات كانت كبيرة. هذا أول فيلم لمايكل مان منذ ثماني سنوات. في سنة 2015 أخرج فيلم أكشن من بطولة كريس همسورث، بعنوان من كلمة واحدة Blackhat كان في عمومه أكثر إثارة من «فيراري»، الذي يدور حول صانع سيارات فيراري للسباق، إنزو فيراري (آدم درايفر على الشاشة). في المبدأ، من يهتم بمشاهدة فيلم عن صانع سيارات؟ قبل هذا الفيلم بثلاث سنوات قام جميس مانغولد بتحقيق فيلم آخر عن السيارة ذاتها هو «فورد ضد فيراري»، وعالج التاريخ ذاته (الستينات)، إنما من زاوية المنافسة بين السيارة الأمريكية، وتلك الإيطالية، وبين قائديها كرستيان بايل، ومات دامون. أنجز الفيلم بعض النجاح لكن ليس بالحجم المطلوب. ذلك الفيلم لم يصل بدوره إلى خط النهاية، لا نقدياً، ولا تجارياً.

لكن خطّة مايكل مان لهذا الفيلم غير تلك التي كانت في بال جيمس ماغنولد.

Ferrari.. المشكلة في الفيلم وليس في السيارة

هنا أراد فيلم سباق. مايكل مان أراد دراما عائلية، وسيرة حياة حول شخصية تعمل في ميدان السباق. ليس إن الفيلم يخلو من مشهد، أو اثنين جيدين في هذا السياق، لكن ما يود «فيراري» سرده هو قصّة بيوغرافية محددة زمنياً (سنة 1957) لصانع تلك السيارات وأزماته. وربما أزماته وليس سياراته. يقابلنا الفيلم في مطلعه بإنزو يتسلل من فراش عشيقته لينا (شايلين وودلي). لسبب ما يتسلل من المنزل بهدوء يثير الريبة، وحين يركب سيارته يدفعها بعيداً عن البيت حتى لا تستيقط من نومها، وتعلم أنه غادرها. يعود إلى بيته ليواجه زوجة ثائرة (بينيلوبي كروز)، تهدده بمسدس.

هذه هي بداية فيلم يريد أن يبدأ بعرض المشاكل الخلفية للشخصية التي يتبناها. المشاكل الأخرى هي تراجيدية، فهو حزين لوفاة ابنه الذي مات قبل عام، وهي كذلك مادية، إذ صنع سيارة باع منها نحو مئة فقط، ويحتاج إلى أن يشركها في سباق بحيث يرفع من معدل بيعها، ويتغلّب على أزماته.

ليس سهلاً الحديث عن جوانب لرجل لا تهتم أساساً بحياته. لنكن صريحين: ما الذي يعنيه إنزو فيراري للمشاهدين؟ هو ليس الأميرة ديانا، ولا نيلسون مانديلا، أو جون ف. كندي، أو أي من الشخصيات التي صنعت بعض التاريخ الذي ما زلنا نعيشه. ربما الطريقة الوحيدة لتقريب فيراري- الرجل للجمهور السائد هو أن يكون سائق السيارة التي صنعها. لكن حتى هذا لا يضمن النجاح إلا إذا وجد المخرج تفعيلة سحرية خاصّة.

ما لم يرغب المخرج مان في تحقيقه هو فيلم عن سائق سيارات سباق، ولم يكن يستطيع أن يغيّر من التاريخ لدرجة زج فيراري في واحدة من سياراته المتسابقة. ولا أن يحوّل الدفّة إلى سائق آخر على نحو كامل (هناك سائق آخر لكنه ليس الشخصية المحورية).

Ferrari.. المشكلة في الفيلم وليس في السيارة

«فيراري» مشغول بتقديم شخصيّة تمرّ بمآزق من موديل السنة ذاتها. يعمد إلى بعض مشاهد السباق، وتنجح لأنها تخضع لتصوير وتوليف فاعلين، لكن الفيلم ليس عن السباقات، بل عن «بزنسمان» يؤديه أدام درايفر، مضخّماً ما يجعلنا نتساءل عمّا إذا كان فيراري الأصلي كان على هذا النحو. ربما الحكاية صحيحة، والشخصية غير ذلك. لكن في كل الأحوال، لم يكن الفيلم لينجز نجاحاً يُذكر في أي من هذه الأحوال.